علي سلامه الخالدي
التقى جلالة الملك بنخبة من المتقاعدين العسكريين، ممن
كان لهم شرف الخدمة مع سيدنا ، كان يوماً مباركاً سعيداً ، أضاءوا على محطات خالدة
من التاريخ العسكري لقائد الوطن ، المخضّب بغبار الصحراء ، ولهيب البيداء ،
وزمهرير الشتاء ، المعطّر بهدير الدبابات ، وصوت المدافع ، وديّ القنابل ، وأزيز
الرصاص، وعمليات الإنزال الجوي بالمظلات ، بين غيومٍ عابرة ، و رياحٍ هادئة ،
ونجومٍ لامعة ، هي ذكريات العمر ، وتجربة الحياة ، محفورةً داخلنا ، لتبقى الصورة
محفوظة في العيون ، ويستمر الحنين محبوساً في الصدور .
عندما تكتحل عيونك برؤية سيد البلاد ، ترتفع معنوياتك ،
تقوى همّتك ، ينشرح صدرك ، تتسع دائرة الرؤيا ، تصبح قادراً أكثر على التمييز بين
الأسود والأبيض والرمادي ، تسخر من الحجج السوداوية ، ترى الحقائق المجردة الخالية
من زينة الحياة الدنيا، تشاهد زبد ثقافة وسائل التناحر الاجتماعي ، تلمس ما ينفع
الناس ، "فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ
ٱلنَّاسَ فَيَمْكُثُ فِى ٱلْأَرْضِ" .
(هذا أسعد يوم في حياتي) عبارة قالها جلالة الملك ، وهو
أيضاً أسعد يوم في حياة المتقاعدين ، ربعك وعزوتك وعشيرتك الأقربون ، ساعدك الأيمن
، سيفك المشرع ، السند والسد المنيع ، بيت الخبرة ومخزون الكفاءة ، رجالٌ لهم عهدٌ
لا يُنكث ، ووعدٌ لا يُنقض ، أهل بيعةٍ ممتدةٍ أبدية .
هناك ميزة فريدة بين الهاشميين ورجال الجندية ، فالعلاقة
ليست علاقة رئيس ومرؤوس فقط ، إنما هي رابطةٌ وجدانية ، ذات أبعادٍ إنسانية ، تؤدي
إلى انقيادٍ طبيعيٍّ بنفسٍ راضيةٍ مطمئنة ، ورغبة صادقة للتضحية في سبيل قيادة
استحوذت على قلوب الجنود ، استولت على عقول القادة ، تتمتع بصفة الجاذبية وقوة
التأثير ، تُروى بدماء الشهداء الأبرار ، قال تعالى : "مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ
رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم
مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا" .