كان ذلك في الحادي والعشرون من آذار عام 1968، يوم يتساوى فيه الليل والنهار ليأخذ النهار نصيبه من المعركة كاملا ويأخذ الليل نصيبه ايضا ، يوم يصادف عيد الأم ، والأم هي العطاء بلا حدود ، هي الإخلاص والتضحية والحب ، يوم شاء الله فيه أن يكون إسم المكان على مسمى المعركه فكانت الكرامه ،ففي صبيحة ذلك اليوم كان هناك جنود منغرسون على الضفة الشرقية للنهر يرقبون ما يجري على الضفة المقابلة ويستعجلون طلوع الفجر فلقد كانت مرارة الهزيمة لا تزال عالقة بأفواههم ويسعون للأخذ بالثأر وما أن أطَلت تباشير فجر ذلك اليوم حتى سُمع صوت تشغيل محركات الدبابات وإنطلاقها وبدأت قذائف المدفعية المعادية تدك مواقع قوات الجيش العربي في الوقت الذي عبرت فيه أسراب من طائرات العدو لقصف المناطق الخلفية ، إستبسلت القوات الأمامية في الدفاع ثم صدرت اليها الأوامر بإستدراج العدو الى مناطق التقتيل المتفق عليها حيث تم نصب الكمائن الفردية التي تحمل الأسلحة المقاومة للدروع والتحم الجيشان وسال الدم الأردني الفلسطيني وتلاحم الشعب مع الجيش الكل ينتخي بلآخر ويصيح .. الله أكبر ..الله أكبر .. نشامى ...نشامى ... المنية ولا الدنية ...النار ولا العار....وما أن إنتصف النهار حتى أدرك جنود العدو مدى غباء قادتهم الذين وعدوهم والإعلاميين أن طعام الغداء سيكون على مرتفعات السلط وما هي الاَ نزهة قصيرة يحققوا فيها أهداف ويعودوا سالمين ، ولكن أنَى لهم السلامة ورجال الحسين بالمرصاد والثأر يغلي في العروق ، وطلب الشهادة مقصد الجميع فلقد أقسموا انهم لن يدعوهم يمروا الاّ على جثثهم ، وأبا عبدالله يقود المعركة في مختلف محاورها ، وما هي الاَ ساعات وإذا بالعدو يطلب وقف إطلاق النار ولأول مرَة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي وإذا بالجندي الإسرائيلي مذعورا خائفا خائر القوى عديم الحيلة وهنا إستأسد رجال الجيش العربي وسددوا الضربات التي دفعت جنود العدو الى التقهقر لا بل الهزيمه ، نعم لقد إنهزم الجيش الذي لا يقهر وإنتصر الجيش المسلح بالإيمان وبعزائم الرجال وعندما تفقَد الحسين قواته كانت هناك جثث لشهداء باسمة الثغور وبقايا أمعاء لبطل أردني أبى الاّ ان يبقى جزءا منها على تراب الوطن لتشهد له حبات ترابه عند ربه ، وغنم الجيش العربي ولأول مرّة غنائم النصر التي ساقها الى عاصمة ملك الهاشميين ليعتليها أبناء جند الحسين ويروا فيها العجب العجاب جنود مربوطين بالسلاسل وجثث متفحمة لم تستطع أن تغادر آلياتها ، وجاء صوت الملك ليخاطب شعبه الوفي شاكرا الأبطال مترحما على الشهداء وخاب العدو وخسر وكانت هذه المعركة دافعا لبقية الجيوش العربية لمنازلة العدو ودحره أيضا عام 1973 . يا جند الكرامة لكم نرفع عقُلنا ويا شهداء الكرامة أنتم الذين صنعتم مجدنا وفخرنا ويا قائد الكرامة أنت الذي تركت فينا خير خلف لخير سلف والذي لا يزال يردد كلمات هي الأروع وجُمل هي الأجمل فكرامة المواطن الأردني من كرامته ويكفيك سيدي ابا عبدالله هذا الذكر الطيب ، اما سيدي أبا الحسين فنعدك ان جند الكرامة سيبقوا على العهد كما كانوا مع جلالة الوالد الراحل الخالد فنحن معكم بني هاشم الى يوم الدين .