خلاف يظهر للسطح بين الرئيس الأميركي بايدن ونتنياهو حول مستقبل غزة ما بعد الحرب. يجسد هذا الخلاف تباينا كبيرا بين الطرفين حول الرؤية الإستراتيجية لكل منهما في من يجب ان يحكم غزة. لا يتوقع لهذا الخلاف أن يشكل تهديدا لجوهر العلاقة الأميركية الإسرائيلية، والأرجح أنه وسيلة ضغط من بايدن على نتنياهو لكي يذهب باتجاه الرؤية الأميركية، بعد ان وصلت النقاشات غير المعلنة لطريق مسدود فيما يبدو. قد يستخدم بايدن بعض الضغوط الدبلوماسية والسياسية والمساعدات، بعد استخدامه وسيلة التصريحات الإعلامية العلنية، لكن أحدا لا يجب أن يتوقع أن نكون أمام مرحلة بيكر جديدة، حيث وصلت الضغوط الأميركية ذروتها واتت نتائج فعالة أجبرت إسرائيل الانخراط بعملية سلام في مدريد آنذاك.
يقول بايدن في معرض نقده وضغطه على نتنياهو، إن إسرائيل بدأت تفقد الدعم الدولي بسبب قتلها المدنيين في غزة، وأن نتنياهو يجب أن يغير من ائتلافه الحاكم ولا يتذرع به، ويدخل بنقاش واقعي حول مستقبل غزة، وأن أميركا بدأت تفقد مكانتها القيمية والمبادئية العالمية بسبب دعمها لإسرائيل في ظل سلوك إسرائيلي ذي تكلفة إنسانية باهظة في غزة. بايدن حرص على التذكير بدعمه لإسرائيل وانه صهيوني فخور، حتى يقول لداعمي إسرائيل انه يقول ذلك كحليف وصديق لإسرائيل وليس عدوا لها. بايدن يريد فيما يبدو أن تكون غزة تحت سيطرة السلطة الفلسطينية في مرحلة ما بعد الحرب، وذلك بعد تأهيل السلطة وإصلاحها، ويرى ذلك الحل المنطقي لأن إسرائيل لا تستطيع إعادة احتلالها للقطاع لتكلفة ذلك العسكرية والأمنية الكبيرة، وانه ان عاجلا أم أجلا فلا بد أن يحكم الفلسطينيون أنفسهم بأنفسهم. نتنياهو بالمقابل لا يملك خطة محكمة، ويقول إنه لا يريد لا حماستان ولا فتحستان في حكم غزة لانه لا يثق بالطرفين، وأن إسرائيل ستبقى المسؤولة عن الأمن هناك، والعملية العسكرية سوف تستمر إلى تحقيق الأهداف وهو ما ترى الولايات المتحدة أنه غير واقعي التحقيق. نتيناهو يعلم انه بهذه الرؤية يقوي من ائتلافه الحاكم، وبذات الوقت هو مدعوم من رأي عام داخل إسرائيل يوافق 7 % منه فقط على أن تحكم السلطة غزة في مؤشر هو الأوضح على غرور القوة.
حالة الهيجان في الرأي العام الإسرائيلي وصناع قراره، ومصلحة نتنياهو السياسي بتثبيت الائتلاف الحاكم جعلته يعارض أميركا إستراتيجيا حول مستقبل غزة. غير واضح إلى أي مدى سوف تذهب أميركا في ضغطها أو مواجهتها لنتنياهو، وغير واضح متى سوف يستوعب سياسي انتهازي مثل نتنياهو ان ما يعتقده حول غزة ضرب من المستحيل، وان لا مناص من ان يحكم الفلسطينيون انفسهم ذاتيا، ما هو واضح لكن هو كم الخسارة الكبيرة التي تتكبدها إسرائيل أمام العالم جراء حربها على غزة، حيث وصلت بلا شك لتكون حتى أمام اصدقائها دولة اشكالية جدلية تنحاز لذهنية عنصرية دينية، وان ما قاله بايدن صديق إسرائيل في معرض نقده لها صحيح وأصبحت السردية السائدة حتى بين حلفاء إسرائيل، وبايدن يدرك أن الولايات المتحدة تتحول بسرعة لتكون كما بريطانيا الداعمة الوحيدة لحكومة جنوب أفريقيا العنصرية ونظام الأبارتايد فيها.