قبل ساعة واحدة من ذروة احتفال مولد السيد المسيح في مغارته ببيت لحم ، أعلنت وسائل الاعلام عن ارتكاب "إسرائيل" مجزرة جديدة في مخيم المغازي راح ضحيتها سبعين انسانا معظمهم من الأطفال و النساء و الشيوخ . لقد تعانقت بيت لحم في ذكرى مولد مخلص البشرية السنوية الثالثة و العشرين بعد الألفين ، مع شقيقتها غزة في يوم ابادتها الثمانين ، لتعلن المدينتان ان هذا الشعب بدينيه المسلم و المسيحي هو شعب واحد لا و لن يقهر ، حين اعلن الشق المسيحي انه لن يحتفل بميلاد مسيحه تضامنا مع ما يتعرض له شقه الآخر في غزة التي يتم ذبحها من المسجد الى الكنيسة و من الكبير الى الصغير ومن المستشفى الى المدرسة و من الوريد الى الوريد .
ليس مستغربا هذا الموقف المعظّم من قبل هذا المكوّن الأصيل ، فالمسيحيون في فلسطين هم ملح الأرض و قمحها و جرحها ، عكف الاحتلال الصهيوني ، و من قبل جملة من الاستعمارات بما فيها استعمارات تمسحت بالمسيحية و الصليبية ، من أجل عزلهم و حرفهم و ثنيهم و طمسهم ، بما في ذلك محاولات خسيسة اسلاموية و داعشية . إن ما شهدوه و ما جابهوه عبر تاريخهم لا يقل في أثره على ما تجابهه غزة اليوم في محنة ابادتها ، يكفي ان يكون بايدن الذي يشرف على هذه الإبادة "مسيحي صهيوني" كما يقول ، و يكفي ان الاحتلال في حربه على جنوب لبنان و مجازر المخيمات قد تواطأ مع حزب الكتائب و ابتدع جيش أنطوان لحد وسعد حداد و حراس الأرز ، و مع مطلع انتفاضة الحجارة و بعيد تشكيل حركة حماس ، حاول هذا الاحتلال على تأسيس "حمام" أي حركة المقاومة المسيحية لمقارعة "حماس" .
اليوم ، في هذه المعانقة الغزية التلحمية ، تصدر حماس بيانا تثمن فيه هذا الموقف المسيحي الاخوي ، و قبلها بأيام يعلن القيادي الحمساوي أسامة حمدان عن السيدتين المسيحيتين اللتان قتلتا في القصف على الكنيسة انهما شهيدتان ، ما يتناقض تماما مع الذباب الاسلاموي الذي حرّم الدعاء للشهيدة شيرين أبو عاقلة بأن يرحمها الله ، و من قبل شيرين شاعر فلسطين الكبير محمود درويش "تلقي التهاني بنفوقه لانه كافر" . و ما انفضاض جمع المصلين من حول الامام الهباش في صلاة الجمعة برام الله ، الا مؤشرات دامغة ، حتى جاءت هذه المعانقة تقضي نهائيا على هذا الذباب الفئوي و الطائفي و الفيروسي .
يشير المفكر المسيحي الفلسطيني منير فاشة في احد مؤلفاته الى المرأة الساحورية خلال الانتفاضة الأولى وعصيان دفع الضرائب ، توسلت الى الضابط المحتل ان يترك لها الثلاجة لانها تضع حليب اطفالها فيها ، رق الضابط وطلب منها دفع خمسين شيكلا فقط كي يترك لها ثلاجتها ، فقالت له انها لا تفاوض على قرار للقيادة الموحدة ؛ لو طلبت مني شيكل فلن أدفع ، فقال لها : هاتي شيكل واحد و اترك لك ثلاجتك . فرفضت دفع الشيكل مقابل الثلاجة ، و قالت له ما قاله سيدنا يسوع : ليس بالخبز وحده يحيا الانسان.