تكاد العلاقة تنفجر بين الولايات المتحدة و"إسرائيل"، والناظر اليها بعمق و تحليل و تبصر ، كالناظر الى مرجل يغلي ، رغم انها أبعد و أعمق من الإدارات و الحكومات و الأشخاص الذين يتغيرون وفق النظام الديمقراطي المعمول به في الدولتين ، و يكفي ان نذكّر هنا بالوصف الذي اطلقه بايدن بان هذه الحكومة الإسرائيلية من اكثر الحكومات تطرفا منذ غولدا مائير قبل خمسين سنة ، و قد أطلقه قبل الطوفان ، و رفض استضافة نتنياهو في البيت الأبيض حتى اليوم .
بعد الطوفان ، ثبت بالقطع ان هذه العلاقة استراتيجية متقدمة و متطورة ، كما لو ان "إسرائيل" فلوريدا او تكساس او حتى كليفورنيا ، بل لربما اكثر أهمية نوعية من كل ذلك ؛ ان تشكل "إسرائيل" الحزب الأمريكي الثالث بعد الجمهوري و الديمقراطي .
خلال العدوان على غزة ، قدمت لها كل ما يخطر على البال ؛ 234 طائرة محملة بالاسلحة ، بمعدل حوالي ثلاث طائرات في اليوم ، و ثلاثين سفينة سلاح ، بمعدل عشرة سفن في الشهر ، كل أنواع الأسلحة بما فيها الذكية و الغبية و المحرمة دوليا كالفسفور الأبيض الذي تم استخدامه ضد الأبرياء و المدنيين و الأطفال ، أربعة عشر مليار دولار كاش ، حاملة طائرات تمكث تسعين يوما ، و التي لا أعرف شخصيا كلفة مكوثها اليومي و الذي بالتأكيد يعد بالملايين . هل اقتصر الدعم عند هذا الحد ؟ بالطبع لا ، لقد قام مدير العالم بايدن بزيارة "إسرائيل" في الأسبوع الأول ، و اضطر الى تكرار أكاذيب نتنياهو عن ان حماس داعشية ، قطعت رؤوس الأطفال و اغتصبت النساء و احرقتهم احياء ، و ان مستشفى المعمداني قصفه فصيل فلسطيني شقيق لحماس "الجهاد" و ان عدد القتلى المدنيين – كان آنذاك ثمانية الاف نصفهم أطفال و نساء – مبالغ به ، و ان من حق "إسرائيل" الدفاع عن نفسها حتى بتجويع الناس و تعطيشهم ، قصف المستشفيات و المدارس و دور العبادة الإسلامية و المسيحية على السواء ، و لم يظل مسؤول امريكي كبير لم يقم بزيارة "إسرائيل" بمن في ذلك وزير الدفاع و مدير المخابرات و مسؤول الامن القومي ، اما وزير الخارجية فزارها اربع مرات و الخامسة في الطريق و اعلن انه يزورها كيهودي . لقد استقدموا معهم كل شذاذ آفاق أوروبا ، من بريطانيا الى فرنسا الى ألمانيا الى الاتحاد الأوروبي ، و شدوا كلهم على يد "إسرائيل" ان تقتل كما تشاء من الأطفال و النساء و تردم مساكنهم فوق رؤوسهم .
محور دعم آخر ، لا يقل أهمية ، متمثل في خمس مرات "فيتو" ضد مشاريع قرارات ، ليس لادانة "إسرائيل" ، بل من اجل وقف اطلاق النار و تمكين الناس من ان يجدوا لقمة خبز او زجاجة حليب او حتى زجاجة ماء ، أما محور الدعم الأخير ، فقد كان الزمن ، زمن شبه مفتوح يدخل هذه الأيام شهره الرابع ، في دولة تتناهشها الخلافات و الأحقاد و الامراض و الشهية الغريزية المفتوحة على القتل ، حتى نقل عن بايدن قوله ان سمعة أمريكا الأخلاقية و صلت الى الحضيض ، و هنا ينطبق قول عربي دارج : لو عندي ميّة – من هذه الشاكلة الإسرائيلية – لقلت يا قطيعة الذرية . و "شريك الخرة ، إخسر و خسّره" .