نيروز الإخبارية : نيروز الإخبارية.
كتب : محمد عبدالكريم الزيود.
في الغويرية فقر وفقراء من وطننا ، شوارع ضيقة وبيوت بُنيت من "لُبن تراب " ومن ثم من طوب وإسمنت ومن تعب ، بُنيت بلا تخطيط لكنها ملأى بالحبّ والودّ والبساطة ، سكنوها من كل جهات الوطن ، من العسكر الذين خدموا في معسكرات الزرقاء وفي كتائبها وسراياها ، فيها إبن بني حسن وإبن قرى الشمال والجنوب المنسيّة ، وأبناء الأغوار والبدو ، فيها من إخوتنا الفلسطينيين من نزحوا يوما وإستوطنوا الحي هنا ، وتقاسموا رغيف الخبز والوجع والفقر وحب الوطن .
الغويرية لا يعرفها إلاّ من سكنها ، البيوت تتكاثر عاموديا ، والشبابيك تفتح على البيوت، ولكن فيها من الخجل والمروءة ، أكبر من كل حكايا الأصول والمنابت ، نعرف الحسبة وعربات الخضار ، وأفران الخبز ، ونعرف دكاكين السوق ، والعطار ، ونعرف مدفع رمضان الذي كان يستقر في الجهة الغربية من المعسكرات مقابل "المنطقة " .
الغويرية ، هذا النسيج من الناس الذي يجمعهم الفقر والأحلام وحب الوطن ، لا يزوروها المسؤولين في الحكومات ، فلا هي دير غبار ولا هي عبدون ، تنقطع فيها المياه أياما في الصيف ، وتفيض شوارعها بمياة المطر والطين شتاء، كما تفيض صفوف مدارسها الضيّقة بالطلاب ، سكنها حبيب الزيودي وسميح القاسم ، والعيط مطر ، وغيرهم ...
رئيس الحكومة الرزاز زارها يوم أمس ، ويسجّل له أنّه أول رئيس وزراء منذ رشيد طليع ، ومنذ تأسيس الدولة الأردنية يزور الغويرية ، بعدما إنهارت بناية على رؤوس ساكنيها ، وحدهم الفقراء في بلدنا يموتون بصمت وبلا بكاء ، يموتون كما في صوامع العقبة ، وتحت عجلات السيارات ، دهسا أوحرقا أوخنقا ، ويحضر التلفزيون الحكومي والمسؤولين وقت المصائب ، ويبكون ويذرفون دموع التماسيح ، ويتذكرون فجأة أن في بلادنا فقراء .
في الغويرية وفي بقيّة قرانا عتب وغضب على الحكومات ، التي تعرف الفقر وحاجة الناس فقط في قاعات الفنادق ، وعلى شاشات " البرزنتيشن " ، وفي أرقام وزارة التخطيط ، وتضع الخطط على الورق وتبيع الناس مشاريع من الوهم ، وتتقن الإبداع في صنع الضرائب والجباية وإستثمار التسوّل والشحدة .
في الغويرية وطن كبير ، يضيق بالفقراء ، لكن لا عزاء للفقر ولا بواكي للفقراء فيه .