مع انخفاض درجات الحرارة، يسود القلق من التأثيرات الصحية المرتبطة ببرد الشتاء، خصوصًا مع تزايد معدلات الإصابة بنزلات البرد والإنفلونزا والتهابات الجهاز التنفسي. ويؤكد مختصون في الصحة العامة أنّ الطقس البارد لا يسبّب المرض بشكل مباشر، لكنه يوفّر بيئة مثالية لانتشار الفيروسات وضعف المناعة، ما يجعل الشتاء موسمًا سنويًا لارتفاع الحالات المرضية.
انخفاض الحرارة يضعف جهاز المناعة مؤقتًا
تشير دراسات حديثة إلى أنّ استنشاق الهواء البارد يخفّض قدرة الجهاز المناعي في الأنف على مكافحة الفيروسات. ففي دراسة منشورة في مجلة Journal of Allergy and Clinical Immunology أوضح الباحثون أنّ درجات الحرارة المنخفضة تقلّل إنتاج "الحويصلات خارج الخلية” (Exosomes) التي تُعدّ خط الدفاع الأول ضد الفيروسات، مما يسمح لها بالانتشار بسهولة أكبر داخل مجرى التنفس.
لماذا تنتشر أمراض الشتاء أكثر؟
وفقًا لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC)، ترتفع معدلات عدوى الفيروسات التنفسية في الشتاء لعدة أسباب:
1. الاجتماع في أماكن مغلقة لفترات طويلة يقلل تهوية الهواء ويزيد إمكانية انتقال العدوى.
2. انخفاض الرطوبة يجعل الهواء جافًا، ما يسمح للفيروسات بالبقاء أطول في الجو.
3. انخفاض فيتامين D بسبب قلة التعرض للشمس، وهو عنصر مهم لدعم المناعة.
4. انخفاض تدفق الدم في الأطراف والمجرى التنفسي بفعل البرد، ما يقلل الاستجابة المناعية الموضعية.
الأطفال وكبار السن.. الأكثر عرضة
تؤكد منظمة الصحة العالمية (WHO) أنّ الأطفال دون الخامسة، وكبار السن فوق الـ 65 عامًا، والمصابين بأمراض مزمنة مثل السكري والربو، هم الأكثر عرضة للإصابة بمضاعفات الأمراض الشتوية، مثل:
الالتهاب الرئوي
التهابات الشعب الهوائية
نوبات الربو
التهابات الأذن والجيوب الأنفية
كما أنّ الرضع يفقدون الحرارة بسرعة أكبر من البالغين، ما يرفع مخاطر "انخفاض حرارة الجسم” (Hypothermia)، وهو حالة طبية طارئة يجب التعامل معها فورًا.
الفرق بين البرد والإنفلونزا
يشدّد الأطباء على ضرورة التمييز بين نزلة البرد العادية والإنفلونزا، لأنّ لكل منهما خطورة مختلفة:
البرد: أعراضه خفيفة وتدريجية؛ مثل سيلان الأنف والسعال الخفيف والاحتقان.
الإنفلونزا: تبدأ بشكل مفاجئ، وتتضمن حرارة مرتفعة وآلامًا شديدة في الجسم وتعبًا عامًا واضحًا.
وتوصي CDC بضرورة تلقي لقاح الإنفلونزا السنوي لأنه يقلل خطر الإصابة والمضاعفات بنسبة تصل إلى 60%.
برد الشتاء يزيد أمراض القلب
بحسب الجمعية الأمريكية للقلب (AHA)، يزداد الضغط على القلب في الطقس البارد بسبب انقباض الأوعية الدموية لحفظ الحرارة، ما قد يؤدي إلى:
ارتفاع ضغط الدم
زيادة خطر الجلطات
ذبحة صدرية لدى المصابين سابقًا
كما تسجل المستشفيات عالميًا ارتفاعًا ملحوظًا في النوبات القلبية خلال موجات البرد الشديد.
التدفئة السيئة قد تسبب التسمم
تحذّر منظمة الصحة العالمية من خطورة استخدام وسائل التدفئة غير الآمنة، مثل الفحم أو الحطب داخل المنازل دون تهوية، لأنها قد تؤدي إلى:
اختناق أول أكسيد الكربون
تهيّج الجهاز التنفسي
ارتفاع مخاطر الحرائق المنزلية
نصائح طبية للوقاية في الشتاء
يوصي الأطباء بسلسلة إجراءات سهلة لكنها فعّالة، للحد من المرض خلال الشتاء:
1. ارتداء الملابس الطبقية
طبقات متعددة تحتفظ بالحرارة أفضل من قطعة واحدة ثقيلة.
2. الحفاظ على رطوبة الجسم
الجفاف يزيد تهيّج الأغشية المخاطية ويقلل مقاومتها للفيروسات.
3. تهوية المنزل يوميًا
فتح النوافذ 10 دقائق يوميًا يقلل تركيز الفيروسات في الجو.
4. غسل اليدين بانتظام
يعتبر أهم وسيلة للوقاية حسب CDC.
5. دعم المناعة بالتغذية
أطعمة غنية بـ:
فيتامين C (الحمضيات)
الزنك (المكسرات)
فيتامين D (البيض والأسماك)
6. تلقي اللقاحات
خاصة لقاح الإنفلونزا ولقاح المكورات الرئوية لكبار السن ومرضى الأمراض المزمنة.
7. تجنب التعرض المفاجئ للبرد
الانتقال من مكان دافئ جدًا إلى بارد جدًا يرهق الجهاز التنفسي.
يؤكد الخبراء الطبيون أنّ فصل الشتاء لا يجب أن يكون موسمًا للمرض، بل يمكن التكيف معه والوقاية من مخاطره عبر الالتزام بالتدفئة المناسبة، والغذاء الصحي، والنظافة الشخصية، واللقاحات الوقائية. ومع ازدياد موجات البرد الشديد عالميًا، تزداد أهمية الوعي الصحي لضمان حماية الفئات الأكثر عرضة.