توفي أبي يوم الأحد، ومنذ تلك اللحظة تغيّر كل شيء. لم تعد الأيام كما كانت، ولم تعد الشمس تشرق كما اعتدناها. جاء صباح الاثنين ثقيلاً، باهتًا، كأنه صباح بلا روح، كأن الضوء نفسه كان حزينًا على رحيلك يا أبي.
رحل أبي محمد نايف الخريشا -هذا الاسم الذي ارتبط دوما بالخير و طيب المعشر و دماثة الخلق- فانهدم في داخلي شيء لن يُبنى من جديد. رحل السند، والأمان، والظل الذي كنت ألوذ به من قسوة الحياة. رحل الرجل الذي كان حضوره يملأ المكان طمأنينة، وصوته يسكب في القلوب راحة لا توصف.
كان أبي طيب القلب إلى حدٍ موجع. حنونًا دون ضجيج، كريمًا دون منّ، يعطي وكأن العطاء فطرته، ويبتسم وكأن الابتسامة خُلقت لأجله. لم يكن أبي غنيًا بالمال فقط، بل كان غنيًا بالخلق، بالكلمة الطيبة، وباللسان النظيف الذي ما تلوّث يومًا بالإساءة، وارتبط دومًا بالخير. كان إذا تحدث، اختار كلماته بعناية، وإذا غضب صمت، وإذا عاتب فعل ذلك بقلب الأب لا بقسوة الدنيا.
كان طيب المعشر، محبوبًا ممن عرفه، قريبًا من قلوب الناس دون تكلّف. يدخل البيوت فيُضيئها، ويجلس مع الفقراء كما يجلس مع الكبار، لا يرى نفسه أعلى من أحد، ولا يتأخر عن مساعدة محتاج. كم من يدٍ امتدت له فعاد بها مملوءة، وكم من قلبٍ مثقل خرج من عنده أخفّ مما دخل.
أما أنا… فأكتب اليوم كابنة يتيمة، مكسورة القلب. أكتب وأنا أشعر أن اليُتم لا يُقاس بالعمر، بل بالفقد. فقدك يا أبي لم يكن مجرد فراق، كان زلزالًا داخليًا، كسرني من الداخل وترك فراغًا لا يسده شيء. أشتاقك في كل تفصيلة، في كل صباح، في كل قرار، في كل لحظة ضعف كنت ألجأ فيها إليك.
أشتاق دعاءك، نظرتك، صوتك وأنت تناديني باسمي. أشتاق شعوري بأن هناك رجلًا في هذا العالم يخاف عليّ أكثر مما أخاف على نفسي. بعدك، صارت الحياة أقسى، والوجع أقرب، والحنين رفيقي الدائم.
توفي أبي يوم الأحد، ولم تُشرق شمس الاثنين… لأن الشمس الحقيقية في حياتي كانت أنت.
رحمك الله يا ابي، وجعل قبرك روضة من رياض الجنة، وجمعني بك في دارٍ لا فراق بعدها ولا حزن.