نيروز الإخبارية :
بقلم عبدالحميد الهمشري - كاتب وباحث في الشأن الفلسطينيإذا كانت عوامل تفجر الانتفاضة الأولى في الثامن من كانون أول/ ديسمبر 1987م والتي تمر ذكراها الواحدة والثلاثين قد توافرت حينها، لظروف حكمت على الشعب الفلسطيني مواجهة العدو الغاصب للأرض الفلسطينية والمتنكر لكل المواثيق والعهود الدولية ، ترتيب أولوياته نحو الاستقلال وحق تقرير المصير ، أججت نيران الغضب الفلسطيني في وجه الاحتلال فاختار الحجر ليكون في مواجهة المدفع والدبابة وأعتى الأسلحة والرصاص الحي وأثبت للقاصي والداني أن الكف قد شل فعل المخرز ، تقاسم الأدوار فيها كل مكونات الشعب شيباً وشباناً وأطفالاً ، ذكوراً وإناثاً ، لمواجهة الصلف الصهيوني اللامتناهي والهادف لخنق الوجود الفلسطيني على الأرض الفلسطينية تمهيداً لنزعه منها ، بعد أن تمكن من إخراج منظمة التحرير وفصائلها المقاتلة من لبنان في العام 1982 وإبعادها عن مناطق التماس مع فلسطين وفق ما رسمه هنري كيسنجر زعيم الآيباك الصهيوني في واشنطن ، المتحكم بالقرار الأمريكي في السياسة الدولية ، تعرض خلالها الفلسطينيون للاعتقال والتصفيات الجسدية وهدم بيوت المقاومين ونهب أراضي الفلسطينيين بهجمات استيطانية تستند على أسس تهدف من ورائها السيطرة على الأرض واستملاكها بشتى الوسائل والطرق لإقامة مستوطنات عليها واستخدامها كقواعد عسكرية والسعي لتدمير الاقتصاد الفلسطيني من خلال الهيمنة على مصادر المياه لصالح تلك المستوطنات ، التي باتت تشكل معازل للتجمعات الفلسطينية في المدن والقرى تمنع التواصل الجغرافي فيما بينها ، ومع القدس عن باقي مناطق الضفة الغربية ، نالت تلك الانتفاضة كل الدعم والمساندة من الأخ والصديق وتعاطف شعوب العالم أجمع بعد أن أظهرت ممارسات العدو الوحشية ضد أطفال الحجارة أسود ميادين المواجهات مع جيش الاحتلال زيف ادعاءاته بما ارتكبه ضدهم من تصفيات في الميدان وتكسير للعظام ، أسهمت الصحافة العالمية بفضح ممارسات العدو بنقل حي ومباشر وموثق لتلك الممارسات ، وقد استمر وهجها مشتعلاً زهاء الخمس سنوات متواصلة ، أحداث جسام حصلت في المنطقة العربية أنقذت العدو الصهيوني من مأزقه ووقفت حجر عثرة أمام الطموح الفلسطيني في تحقيق بعضٍ من أحلامه بتحرير ما جرى احتلاله في نكسة حزيران من الأرض الفلسطينية ، القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة ، فكانت الثمرة والآمال والطموحات للتضحيات الجسيمة في هذه الانتفاضة ، دون مستوى الطموح تمثلت في تفاهمات أوسلو التي استغلها العدو الصهيوني في بناء المزيد من المستوطنات والاقتحامات للأماكن المقدسة في فلسطين ، المسيحية منها والإسلامية خاصة المسجد الاقصى في القدس عاصمة فلسطين الروحية والحضارية ، وبناء الجدار العازل والطرق الالتفافية وإنشاء المزيد من القواعد والنقاط العسكرية لتوفير المزيد من الحماية للمستوطنين المسلحين وتنغيص الحياة على الفلسطينيين . وفي ظل انعدام التوازن الدولي والإقليمي الذي تئن تحت وطأته المنطقة منذ اجتياح العراق من قبل قوات التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية حيث كان العراق السند القوي لها أي للانتفاضة ، والخلل الأمني الذي تعانيه منه عدد من دول الإقليم ، فقد أسهم ذلك في تجرؤ الرئيس الأمريكي ترامب على خطوات أقدم عليها في سبيل تصفية القضية الفلسطينية ، منها اعترافه بالقدس عاصمة للكيان العبري ونقل سفارة بلاد إليها ليخرجها من بند التفاوض ، وكذلك التضييق على الأونروا تمهيداً لحلها لشطب حق العودة للاجئ الفلسطيني ، وهناك خطوات كثيرة لاحقة متوقع حصولها بضغط ترامبي على درب التصفية النهائية للقضية الفلسطينية تلزم دولاً مرتبطة بالولايات المتحدة للاعتراف بالدولة العبرية وإقامة التمثيل الدبلوماسي معها على حساب القضية والشعب الفلسطيني والوقوف في وجه كل محفل دولي يحاول إدانة الاحتلال وممارساته الاستيطانية والقمعية أو تجريمه .. الأردن وفلسطين أدركوا أن وراء الأكمة ما وراءها وأن خطراً يتهدد فلسطين وشعبها ومقدساتها جراء الخطوات الصهيونية الأحادية الجانب للحيلولة دون نشوء دولة فلسطينية بسند من الولايات المتحدة التي لم تعد دولة راعية للسلام فما يهمها وفق تصريحات ترامب الأخيرة هو أمن الكيان العبري دون النظر من جانبه للحقوق الوطنية المشروعة للفلسطينيين وفق القرارات والشرائع والمواثيق والعهود الدولية .. الشعب الفلسطيني من جانبه في الداخل مدعوماً بسند قوي من الأردن الشعبي والرسمي لم يستكن منذ تجاوزات اليمين الصهيوني لتفاهمات أوسلو حيث فجر انتفاضات وهبات عديدة كانتفاضة الأقصى وهبة النفق والقدس والبوابات على مداخل الأقصى وآخرها مسيرات العودة التي ما زالت تنطلق من غزة منذ نقل السفارة الأمريكية للقدس استخدمت فيها الطائرات الورقية التي أدخلت الرعب في قلوب المستوطنين فيما يطلق عليها مستوطنات غلاف غزة في سبيل إسقاط العاصفة التصفوية .