نيروز الإخبارية : نيروز الاخبارية :
الدكتور عديل الشرمان
يمضي الاردن بعزم الملك وبحكمة القيادة وحنكة الرؤيا ووضوح البصيرة، وصفاء النية، يمضي بمواقفه القومية المعتادة رغم كثرة المشككين وسوء الظانين وقسوة الضغوط، يمضي في وقت بات فيه اختلاط الابيض بالأسود غير ممكن، وخاصة مع انتشار وتعاظم القدرة على فرز الالوان، وفي وقت أصبح العقل فيه قادرا وغير حائر على تمييز الحليم من اللئيم، في ظل الخبرات الطويلة المتراكمة للمواقف الهزيلة المتخاذلة، التي مرت بها أمتنا والتي لم تتعدى القول المجامل الضعيف أو قول الرياء المعسول المداهن وغير الصادق الذي فيه الكثير من الخوف والوجل.
مؤامرات خبيثة إقليمية تحاك في الظلام من قبل فئة من المارقين المؤرقين، واخرى عالمية في وضح النهار لكنها اكثر خبثا ولؤما مغلفة بعناوين وتبريرات يدعي نسّاجوها وتجارها ومدمنوها صدق النوايا، والحرص على مصالح المنطقة وأمنها واستقرارها ومتطلبات المرحلة وضروراتها، مصحوبة بوعود بانتعاش اقتصادي ومستوى معيشي افضل .
يقف الاردن البلد الصغير في حجمه الكبير بمواقف قيادته وشعبه، يقف ثابتا صامدا صلبا في التصدي للمؤامرات والدسائس والمخططات، وفي مواجهة القوى والأمواج العاتية القادمة والتي تسير نحو الأمة بتسارع كبير مهددة مصيرها ومستقبلها وأمنها بسوء النتائج وافدح الخسائر، وهو يعي تماما أن رفض الحلول المطروحة التي لا تتوافق مع مصالحة مكلف جدا، وأن القبول بها مكلف اكثر، ولكونه يشعر أنه مكشوف الظهر بشكل شبه تام، فإنه يجد نفسه بين المطرقة والسندان.
إن الحذر من القادم وحده لا يكفي، وقد لا ينجي من القدر، وصار البحث الجاد الممنهج والمخطط عن الوسائل والأساليب السريعة للمواجهة والتصدي أمرا ضروريا ، وفي مقدمة هذا الوسائل احداث تغيير في ديناميكية ونهج وكاريزما العمل الإعلامي، حيث يقف الإعلام الان على مفترق طرق في لحظة تاريخية هامة، فإما أن يكون قادرا على تحمل مسؤولياته وإثبات ذاته ويبرهن للمواطن العربي وللعالم أنه بمستوى امال وطموحات وهموم الأمة، ويسير في طرق لها نهايات واضحة ومحددة، وإما أن يبقى كما هو العهد به إعلاما ضعيفا هزيلا ينطق بلسان اعوج، ويقتات على فتات وهموم الأمة مؤججا ازماتها، ومشعلا فتيل
الفرقة والخلافات بين مكوناتها.
لقد بدا واضحا تخبط الإعلام العربي في قراءة المشهد، وكشف عن قناع المهنية الزائف، وأثبت عجزه عن المعالجة الصحيحة والدقيقة للمعطيات والتحديات، واسهب وامعن في استخدامه لتحليلات ومفردات بمنتهى السذاجة والغباء، حتى بات مروجا وعن غير إدراك ووعي للمخططات التي تحاك ضد الأمة، وكأنه يريد أن يصل بالمواطن العربي إلى حالة نفسية يكون معها قادرا على امتصاص الصدمة، والقبول بالقليل.
من اين جاء الإعلام العربي بما اصطلح على تسميتها صفقة القرن، واصفا إياها تارة أخرى بالصفعة، ومروجا لها على أنها كعكة، ألم يكن بوسع الإعلام أن يدرك أن لا أحد بوسعه أن يعقد الصفقات إلا إذا كان مالكا للأرض، وأن من يبيع ويشتري ملكا لغيره محتال، وبيعه باطل، وأن ما يتم الاستيلاء عليه تحت تهديد القوة أو بالإكراه هو نقل باطل للملكية شرعا وقانونا وعرفا، ولا بد أن يعود صاحب الحق مهما طال الزمن للمطالبة بحقه.
ألم يدرك الإعلام أن الحلول المفروضة على طرف بغير رضاه لا يعتد بها، وتؤجج نار الحقد وهي زرع لبذور الكراهية لدى صاحب الحق، وتعمل على اذكاء نار القوة والإصرار لديه للمطالبة بحقه، وتنقله إلى حالة من الهيجان تدفعه الى تحين الفرصة السانحة مهما بعدت للانقضاض على عدوه لاستعادة حقه وممتلكاته مهما كلف ذلك من ثمن.
ألم يكن بوسع الإعلام أن يعرف أن نقل السفارة، والاعتراف بالجولان ليس له وزن أو قيمة في كل القوانين والشرائع، وحتى لدى الشعوب صاحبة الحق، ولدى مالك الارض والعرض، وأن مثل هذا الاعتراف لا يقدم ولا يؤخر ولا يغير في الحقائق شيء، وما ذلك إلا لعب واهم ومحاولات فاشلة لإرضاء طرف وكسب تعاطفه على حساب طرف آخر، وهي محاولات يائسة للتأثير على الرأي العام.
ألم يعي الإعلام العربي أن ما يجري عالميا من الترويج للخطط والمبادرات والمقترحات ما هي إلا محاولات تعبر عن حالة من اليأس والإحباط والضعف لدى الطرف الآخر المعتدي في انتزاع الحقوق من اصحابها، والذي ظل يراهن لعقود من الزمن على تحقيق أطماعه باللعب على اوتار الوقت والنسيان وفرض الأمر الواقع، وهي اوتار ورهانات ثبت فشلها وضعفها، وأنه عندما بات عاجزا وفشل في تحقيق أطماعه والوصول لأهدافه اخذ يبحث عن وسائل خبيثة نتنة ويائسة وأقل ما يمكن وصفها بالألاعيب الساذجة الغبية، مستغلا فرصا يعتقد أنها سانحة ومهيأة للوصول إلى ما عجز عن تحقيقه عبر عقود من الزمن، وراح يروج لصفقات، ويتسلق أكوام القمامة لبلوغ غاياته.
لقد نجح الإعلام العربي نجاحا باهرا في الترويج لما سماها جهلا بصفقة القرن، أو صدمة القرن، فاستطاع عبر أشهر من الزمن أن يعمل على تهيئة الشعوب الى تحمل صدمة محتملة طال انتظارها، وراح يرفع من سقف التوقعات بقوتها وآثارها الكارثية المدمرة، حتى إذا طرحت ووجد فيها المواطن اليسير والضئيل الذي لا يكاد يذكر من الحقوق تنفس الصعداء، وخفت وتراجعت لديه قوة ووقع الصدمة وبهذا يكون الاعلام قد دعم عنده الصمت حيالها، وبذلك فهو يطبق واحدة من نظريات الإعلام وهي نظرية تدعيم الصمت واخفاء الاصوات من غير علم ولا دراية.
إن من يتابع طرح وتناول الإعلام العربي لقضايا الأمة ومشاكلها يشعر غصبا عنه أنه أمام غياب واضح للفكر الإعلامي المستنير، وغياب شبه مؤكد للتخطيط الإعلامي للتعامل مع الازمات العربية، ويصل إلى قناعة تامة أن إعلامنا العربي جزء من مشاكلنا، وجزء من معاناتنا وضعفنا، ويتيه في غياهب الظلام والضياع، وأخذ يفقد البوصلة التي تحدد له الاتجاهات والمسارات، وهي حالة من التشتت والعجز باتت مسيطرة على الإعلام العربي، وربما هي انعكاس للواقع العربي المؤلم المضحك المبكي.
وحده الملك ومن حوله شعبه يقف يكاد وحيدا بعبء كبير، وهموم أثقلت كاهله، يشخّص ويمحّص، ويضع النقاط على الحروف، يصارع الضغوط محاولا فك الخيوط، ومتجاوزا كل الحدود والقيود، لكن يدا واحدة مهما كانت قوتها ليس بوسعها التصفيق منفردة عندما يقف الكثير من حولك موقف المتفرج، والممسك بيدك الأخرى التي تحول بينك وبين القدرة على التصفيق.