إعتادَ الناسُ على اطلاق اسم "ابو صابر" على الحمار. لأن الصبر بلا حدود، وبدون مقاومةٍ، هي اهم صفات الحمير. فالحمار كما خبره اكثر الناس، يظل واقفا صامتا أثناء التحميل او الركوب على ظهره. ونظرا لأنه ليس مزودا بميزان الكتروني يُظهرُ مقدرته على الحمل والتحمل، فإن إجهادهُ يستمر بالتزايد مع تزايد ما يتراكم على ظهره، الى أن يجثو على ركبتيه فجأة عندما لا تقوى قوائمه على الاستمرار في الوقوف.
يجوعُ الحمارُ كسائر الكائنات الحية، ولكنه يظل على جوعه دون احتجاج مؤثر ، ولا يتفلت من قيده ليبحث عن طعام، الى أن يأتيه ما يأكله على مربطه او أن يُفكَ قيدهُ ويُؤخذ الى المرعى.
يتألم الحمار ايضا من الضرب الموجع من قِبَلِ الراكبِ على ظهره، حتى يسرع اكثر في هرولته أو ركضه، ولأنه لا يملك عداد سرعة يبين أنه بلغ سرعته القصوى، تظل تنهال عليه سياطُ الراكب الارعنِ حتى يسرع اكثر ، ومع ذلك لا يثور ابو صابر ولا ينتقم كما تفعل فصيلة الذئاب وكما يفعل الجمل. بل إنه يستنكف عن الدعاء على الظالم بالثبور، لأنه يحتسب ما يلحقه من ظلم ويريد من الله ان يثأر له يوم القيامة.
عندما يهرم ابو صابر يفقد قيمته ويُترك ليهيم على وجهه حتى يقضي من الجوع والعطش او تأكله الوحوش.
صبر الحمار بهذا لوصف يختلف عن الصبر الاستراتيجي. الصبرُ الاستراتيجي هو جزء من عملية متسلسلة مترابطة Process.
يتطلب الصبرُ الاستراتيجي وجود استراتيجية لها هدف او مجموعة اهداف، ووسائل وادوات لانجاز الاهداف، وفترة زمنية مناسبة للانتهاء من الاعداد والعمل وبلوغ النتائج المُظهرةِ لنسبة المتحقق من الاهداف. كما تتضمن بيانا للمسار الحرج Critical path.
الصبر الاستراتيجي يحتاج الى نفس آلية اتخاذ القرارات الرشيدة rational decision making. الصبر الاستراتيجي يختلف عن الحكمة، رغم أن من يؤتى الحكمة يكون قد اوتي شيئا عظيما.
يتبادر الى الذهن فورا عند سماع كلمة الصبر، وجود امر مرغوب فيه، ولكن الحصول عليه ليس سهلا، وليس في متناول اليد فورا، ولذلك لا بد من التفكر والتأني والمثابرة والتضحية بالمال والوقت والجهد.
الصبر الاستراتيجي لا يقدر عليه العبيد ولا قصيري النظر ولا فاقدي الارادة. أما الذين يُطبِقونَ رموشهم على قشر الشعير ويُقَبِلونَ القدم التي تدوس وجناتهم ، ويستسيغون التهميش والتطنيش والتطفيش، والجلوس في المقاعد الخلفية، بينما يُقَدِّمون، ويُجلسون من سرقهم وهمشهم في صدر البيت، ويغدقون عليهم القاب الرفعة التي لا يستحقون الا ضدها. فهولاء هم شعب ابو صابر.
في السياسة والاقتصاد والتعليم والحرب وتطوير الثقافة المتوارثة وتنقيتها من امراضها المزمنة، تنطبق نظرية الصبر الاستراتيجي تماما.
الدولة التي تستخدم ايراداتها من الضرائب والرسوم، في التعليم النوعي والبحث العلمي والابداع والرعاية الصحية الراقية، والبِنيةِ التحتية الحديثة المُتقنة، ودعم الصادرات والنفقات الرأسمالية الضرورية لاجتذاب السياح والاستثمار الخاص المحلي والاجنبي وفي التنمية المستدامة وخاصة رعاية البيئة وتطويرها، حتى لو تطلب منها ذلك الاقتراض، تنطبق عليها مواصفات الصبر الاستراتيجي. لأن هدف الدولة يكون التغلب على مكونات التخلف واسبابه ومظاهره واثمانه، وتحقيق التقدم والازدهار، وهذا ما سيحدث.
تقف الصين وكوريا الجنوبية وتايوان وسنغافوره وماليزيا كنماذج لهذه الدول.
أما الدولةُ التي تَغرِفُ بِجورٍ من جيوب مواطنيها الى درجة إفقار الغالبية، واستنزاف القلة التي تملك مما يضطرها الى الهجرة من الوطن، أو يقلل لديها الحافز للعمل والاستثمار، وتُفقدُ الناس مبررات التعلم والابداع، وتستدين بدون وعي او غاية وطنية، وَتُنفق ما تجبيه على الانفاق الجاري، وعطاءات وعطايا الفساد، وخدمة الدين، هي دولة تسعى لأن يكون شعبها اقل درجة من الارامك، شعب افراده ابو صابر.
الشعب الذي يقبل افراده بتدني دخولهم سواءا من الرواتب والاجور او التقاعد رغم انخراطهم الفعال في سوق العمل، والذين يقبلون بأن تزور ارادتهم، واختيارهم لمن يمثلهم، ويخضعون مطأطأي الرؤوس، لا يتميزون عن ابو صابر.
كثير من الفقراء والمُعَطِلين لأنفسهم عن العمل مع أن فرصه موجودة ووافرة، والمفقرين لأنفسهم، الذين يسألون الناس الحافا وليس بهم خصاصة ينتمون ايضا لمعسكر ابو صابر ولكنه ابو صابر الخايب.
اذا ليس جميع الدول وليس جميع الشركات وليس جميع الناس قادرون على، ومؤهلون على الصبر الاستراتيجي.