في اواسط القرن الماضي وعندما دخل التلفاز حياتنا وبالكاد تجد جهاز واحد في القرية كنا ننتظر لحظة الغروب كي نتجمع ونذهب الى البيت الوحيد الذي كان يملك تلفاز في بلدتنا كانت البرامج، والصور، والاخبار، كلها تزينها صور الجيش، سكنت تلك الاشياء مخيلتنا، كيف وفي كل بيت من بيوت قريتنا حكاية شهدي داو جريح او بطل تتنزين هامته بشعار الجيش العربي الاردني، دروس لم نكن نتلقاها على ايدي اساتذه او علماء عن طريق التنظير فيشطح الخيال بين التحليل و غيره، انها دروس من الواقع اليومي المعاش، كيف لا ينغرس حب الوطن والجيش في نفوسنا منذ الصغر و نحن من وعي وادرك أن من يحمي الوطن هو الجيش، ومن أسس المدارس في بلدتنا هو الجيش، ومن ساهم في توطين البدو الرحل هو الجيش، ومن ينقل معظم الأهالي الى المدينة سيارات الجيش، التي كانت مع ابناء المنطقة من الضباط، ناهيك عن خبز الجيش، ونكهته مع الشاي، وهو المشروب وربما الغذاء الوحيد والمفضل بعد القهوة برمزيتها، فعندما ترى الجيش على الشاشات تفرح كثير تحس بنشوة وفخر وان هذا المنظر ليس صور او مشاهد تلفزيونية بل واقع نعيشه فكل الوجوه التي تطالعك عبر الشاشة بسمرتها الاردنية تشعرك أنهم اخوانك، واهلك، وانهم يسكنون معك، نفس البيت، فهذا اللباس العسكري له مكانته، وهيبته، ورمزتيه، عن كل اردني، فقد ترافقت تلك الصور التي كنا نراها على الشاشة، مع مشاهد كنا نعيشها بطفولتنا، حين كانت والدتي ونساء الحي بجمع صور جلالة المغفور له الملك حسين باللباس العسكري، والتي كانت تزين بيوتنا البسيطة، ولان معظم تلك البيوت بلا اقفال، او مفاتيح، كان يتم جمع الصور واخفائها خوفا عليها، وعلى رمزيتها، ومكانتها، من ان تطالها ايدي من كانوا يعبثون بامننا الداخلي في بداية السبعينات، وكنا نرى القادة العائدين من المعارك بيننا، فالمرحوم اللواء عطالله غاصب والمرحوم العميد مفضي عبد المصلح و العقيد فلاح مقداد وغيرهم الكثير واطال الله في عمر من بقي منهم على سبيل المثال لا الحصر الرائد محمد العلوان، والرائد حسن عساف، كانوا يحدثوننا عن المعارك التي خاضوها مع العدو الاسرائيلي على اسوار القدس، او على صعيد حوادث الامن الداخلي، وكيف كان دورهم وكم نحن فخورين بهم.
واليوم مع زمن الديجتل ورجاله يطل علينا البعض منهم متطاولا على الجيش وامكانياته وهيبته التي هي من هيبة الدولة ولم يرعوا حتى المناسبة التي نحتفل بها هذه الايام بدخول الاردن مئويته الثانية بقيادته الهاشمية الحكيمة، نعم ندخل المئوية الثانية واهل الابيض والاسود على العهد والوعد لم تغيرهم الايام و أورثوا ذلك العشق الطاهر والنظيف للجيش والوطن والقيادة الهاشمية الى ابنائهم. تدخل المئوية الثانية في ايام رجال الدجتل، والوطن مع الانسانية كافة يمر في أحلك الظروف وأقساها، فيعيش الاردن الوطن المنيع العزيز بإذن الله في جزيرة محاطة بالنار والدمار من كل جانب ، وفي مرحلة حرجة لم تمر أحداثها عبر التاريخ المعاصر منذ تأسيس الأردن ؛ فالفتن تشتد في إنحاء العالم العربي ، وآثار ما يسمى الربيع العربي، تجتاح المنطقة، وتضرب الشقيق بالشقيق ويختل ميزان العدو من الصديق ، ناهيك عن الأزمات الاقتصادية والمعيشية والمالية والإنمائية التي يمر بها الوطن، وعلى رأس تلك الأزمات دخلت كورونا لتهلك الزرع والضرع، ومع كل هذا تبقى أنظار الأردنيين متوجه إلى المؤسسة الوحيدة التي تحظى بقبول واحترام الجميع ، إلى الجيش ، فالجميع يقف مع الجيش حينما يصل الموضوع إلى تهديد امن وحماية الوطن فالجيش الاردني برمزيته ومؤسسته يمثل عنفوان الوطن وسياجه ودرعه وهو المؤسسة الوحيدة التي يلتف حولها الأردنيون في كل الأوقات والظروف ان كل من عشق ارض الاردن من ابناء تراب الأردن الطاهر يقف اليوم وامس وغدا، اجلا، وتقديرا، وتحية، لهذا الجيش الذي له الدور الأساس في الحفاظ على امن واستقرار الأردن، في ظل هذا المحيط المضطرب، والان العهد هو العهد ابدا لن تتغير او تتبدل علاقة الأردنيين بجيشهم ولن تهتز ثقتهم به، من خلال حديث حاقد ونعيق جاهل لا يعرف عن الجيش وتاريخيه شيء، فتحية للجيش ولكافة أجهزتنا الامنية ملاذ الأردنيين وكل عام والأردن بشعبه وجيشه وقيادته الهاشمية بخير وسلامة