أعباءُ الحياةِ ثقيلةٌ جداً خصوصاً لمن يتبوأون مسؤوليات خدمات عامة تُعنى بشؤون الناس ومصالحهم، مما يتطلب من المسؤول طولَ البالِ والصبرِ وقدرة الإحتمالِ. فالمنصب العام يتعدى مفهوم الراتب والإمتيازات إلا كونِهِ أمرٌ فيه تكليفٍ وليس تشريف، فهو تكليفٌ للقيام بواجبات معينة تُعنى بتقديم الأفضل والأجود والأحسن بما يحقق المصلحة العامة التي تُعنى بشؤون المجتمع والناس. لذلك فنحن ندعو لأمثال هؤلاءِ المكلفين أنْ يُعينَهُم الله على حملِهِم لأنَّهُ ثقيلٌ وَصَعبٌ ومكلفٌ، إذ ليس بإمكان أيٍّ كان القيام بمثل تلك المهام بكل كفائةٍ واقتدار.
وشرفٌ تليد لمن يحمل مثلَ هذا الحمل لخدمة الآخرين، وله الطوبى وله التكريم لأنَّ خدمتَه هذه تتطلَّبُ منه إنكار الذات والتضحيةَ والبذلَ والجهدَ الكبيرَ لإنجاح المهام الموضوعة أمامه، ورغم ثقل الحِمْلِ إلا أنَّهُ في قرارة نفسه يَجدُه خفيفاً لسببين رئيسين:
أولاً: لأنه يقوم بعمله بدافع المحبة النقية الطاهرة لإنجاز ما أوكل إليه وبما يتناسب وقدراته ومواهبه وإمكانياته، فلا يجد ضيراً في التعبِ وبذل الجهد المناسب لأنَّ عملَه نابعٌ من صميمِ قلبِهِ وبدافعِ المحبةِ التي تقبل التحديات الجسام والبذل الذي لا حدود له، فهي أي "المحبة تحتمل كل شيء وترجو كل شيء وتصبر على كل شيء"، وحتى ولو كان ذلك على حساب أمور كثيرة خاصة كالوقت والصحة، فيرى المسؤول في ذلك واجباً مقدساً للقيام به إرضاء الله سبحانه وتعالى بالدرجة الأولى ولراحة الضمير ثانيا. فماذا أجَلُّ وأقدسُ وأكثرُ نفعاً من خدمة الآخرين ورعاية مصالحهم ومستقبلهم؟
ثانياً: لأنَّهُ يقوم بعمله متطلعاً إلى تحقيق الأهداف الموضوعة أمامه، وقد يكون أحد الأهداف النضال من أجل قضية سامية وفضيلة عليا، لذلك لا يعد يرى المكلّف ثقلَ الحملِ مقابلَ انتظاره نَشوةِ تحقيقِ الهدف الذي يسعى لأجله. فمها بلغ ثَقل ذلك الحِمْلُ وتلكَ المسؤوليةُ إلا أنّ سَعيه الدؤوب لتحقيق تلك الأهداف تجعله لا يشعر بثقل المسؤولية الموضوعة على عاتقه.
وحقيقة الأمر أنَّ ذلك هو ما نرجوه في مجتمعاتنا العربية اليوم بأنْ نجد أمثالَ هؤلاء القادة الصادقين مع الله ومع أنفسهم ومع الآخرين، والذين يكونُ عملُهم وتكونُ خدمتُهم نابعةٌ من محبتهم لعملهم كرسالة يؤدونها في هذه الحياة لأجلِ الصالحِ العام وخيرِ الناس، مقدمين الصالح العام على مصالحهم ومنافعهم الشخصية، فيهون عليهم حمل هذه المسؤولية في سبيل تحقيق أهدافهم. وهكذا فالحمل الثقيل يصبح خفيفا