إنّ في الزيزيـــاء روضـاً مائلاً قبل فصل الصيف فى دين العرب
بركة زيزياء الجيزة الرومانية بركة ( زيزا) قرب الكيلو 265 من خط سكة حديد الحجاز الذي يصل دمشق بالمدينة المنورة. البركة حاليا ملاصقة للطريق الصحراوي مقابل مبنى بلدية الجيزة.
كتب أ.د. محمد عبده حتاملة في الدستور في 5 كانون 2016:
ورد اسمها فى كتب التراث: (زيزاء) و(زيزا) و(زيزة) و (زيزى)، وذكر ياقوت الحموي أن معنى زيزياء: المكان المرتفع واستشهد بقول ذي الرمّة
تحدّر عن زيزيائه القف وارتقى على الرمل وانقادت إليه المواردُ
والزيزاء، كما جاء فى لسان العرب: الأكمة الصغيرة، وقيل: الأرض الغليظة.
وتم تحريف (زيزاء) إلى (زيزيا) بزيادة ياء ثانية، وإسقاط الهمزة من آخر الاسم،وقد ورد على هذه الصورة في أوائل القرن الرابع عشر الهجري/ التاسع عشر الميلادي لدى الرحالة التركى سويلة مز أوغلي الذي زار بلاد الشام سنة1307هـ1890م، قال:»وإلى الجنوب الغربي من المنزل (سهل البلقاء) كنا نشاهد أنقاض مدينة قديمة تسمى زيزيا». وفي الوقت الذي وردت فيه صورة الاسم الأخيرة (زيزيا) كانت تسمى أيضاً (الجيزة)، وقد بدأ هذا الاسم بالظهور بعد دخول حملة إبراهيم باشا(1831 -1841م) منطقة شرقي الأردن قادمة من مصر، حيث تمركزت قوة من الحملة في زيزيا، وبعد ذلك بدأ يظهر اسم الجيزة، ويبدو أن أفراد تلك القوة أطلقوا عليها اسم (الجيزة) باسم الجيزة المصرية المشهورة بأهراماتها.
تقع الجيزة على بعد 35 كم إلى الجنوب الشرقي من العاصمة عمان، على يمين طريق مطارالملكة علياء الدولي،وهي ملاصقة لموقع المطار. وتخترقها الطريق الصحراوية التى تربط عمان بالعقبة.
كانت الجيزة، أو (زيزيا)، إحدى المدن العظيمة أيام الرومان، وكان فيها خزان ماء كبير، وقد عسكرت فيها حامية رومانية من فرسان دلماشيا Dalmatia، وقد ظل كثير من أبنيتها قائماً حتى عام 1834م، حيث هدمها إبراهيم باشا.
وكانت زيزيا في عهد الخليفة أبي بكر الصديق ( 11- 13هـ/ 633- 635م)موضعاً لتجمع القبائل العربية الموالية للروم من أجل حرب المسلمين، فقد استعمل أبوبكر خالد بن سعيد لحرب أهل الردة فى تيماء،فاجتمعت إليه فيها جموع كثيرة من المسلمين، وعندما بلغ الروم ذلك استنفروا حلفاءهم من العرب، فنفرت إليهم أعداد كبيرة من بهراء وكلب وسليح وتنوخ ولخم وجذام وغسان، واجتمعوا في زيزياء، وقد حاربهم ابن سعيد وانتصر عليهم،وتوغل في الشمال، فهاجمه أحد قواد الروم بجيش كبير، وقتل معظم رجاله.
وفي زيزيا أيضا تجمعت الجيوش التى حشدها أبو بكر الصديق لفتح بلاد الشام، ومنها ساروا إلى وادي عربة لنجدة عمرو بن العاص الذي أنيط به فتح فلسطين، حيث اعترضته جيوش الروم، وقد سارت الجيوش المتجمعة فى زيزيا إلى وادي عربة،وهزمت جيوش الروم، وبذلك فُتحت الطرق أمام عمرو بن العاص لإكمال مهمته.
وأصبحت الجيزة (زيزيا) فى العهد الإسلامي إحدى محطات قوافل الحج، وكان الحجاج – كما يذكر الطبري - يقيمون فيها ثلاثة أيام للراحة والتزود بما يلزمهم، وقد ذكر ياقوت الحموي أن «زيزاء: من قرى البلقاء كبيرة يطؤها الحاج، ويقام بها لهم سوق، فيها بركة عظيمة». وأشار ابن شاهين الظاهري إلى أن زيزيا كانت عامرة»بها قرى كثيرة ومعاملات». ولذلك كانت محطة مهمة من محطة الحاج، وخاصة أن بركتها الكبيرة كانت مصدراً للمياه يأخذ منها الحجاج حاجتهم بعد استراحتهم فيها، وقد أشار إلى ذلك كثيرون من الرحالة.
وكانت زيزياء مثل غيرها من المواقع التي ازدهرت في العصور المتعاقبة، إلا في عصر العباسيين الذين أهملت البلاد فى عهدهم، بعد أن نقلوا مركزا الخلافة من دمشق إلى بغداد. وقد خرب ما تبقى منها على يد إبراهيم باشا، الذي خرب أيضاً قلعة رومانية يرجع تاريخها إلى القرن الثاني للميلاد. وأما أول خراب واسع تعرضت له فكان على يد أحد قادة العباسيين، وهو يحيى بن صالح؛ إذ وجهه الخليفة العباسي المأمون (198-218هـ/ 813- 833م) لقتال أحد الخارجين عليه في الفدين (المفرق)، فعندما اقترب يحيى من الفدين هرب ذلك الخارج عليه إلى زيزيا، فلحق به وخربها.
وأصبحت الجيزة (زيزيا) فى أواخر العهد العثماني محطة من محطات سكة حديد الحجاز، وقد وصلها الأمير (الملك) عبدالله الأول ابن الحسين فى الأول من آذار 1921م أثناء رحلة تأسيس إمارة شرقي الأردن، وقد أقام فيها ليلة ثم استأنف مسيره إلى عمان. وقد استقبله في محطة الجيزة شيوخ بني صخر والعجارمة وغيرهما من القبائل.
وشهدت الجيزة وسهولها هزيمة قوة من الوهابيين قدمت لمهاجمة عمان، وكان ذلك في نيسان من عام 1924م، فعند وصول تلك القوة المؤلفة من خمسة آلاف رجل إلى زيزيا هاجمتها قوة جوية، وقوة أخرى ميكانيكية من الجيش العربي مما أدى إلى إلحاق الهزيمة بهم، وتشتيت شملهم في سهول زيزيا، ومن ثم اندحارهم بعد تكبدهم 500 قتيل وثلاثمائة أسير.
وقد زار الملك المؤسس عبدالله الأول زيزياء (الجيزة) عام 1359هـ1940م واستهوته بركتها الرومانية، فقال فى وصفها:
إنّ في الزيزيـــاء روضـاً مائلاً قبل فصل الصيف فى دين العرب
والجدير بالذكر أن بركة الجيزة تعد من أكبر البرك الرومانية وأكثرها اتساعاً،فهي مستطيلة الشكل، تبلغ أبعادها: 74×87م، بينما يبلغ عمقها نحو 17م.
والجيزة اليوم مركز لواء يسمى باسمها،وهو يتبع إدارياً محافظة العاصمة عمان،ويشمل عدة مدن وقرى. وتتبع الجيزة (بلدية الجيزة الجديدة) التى تضم أيضاً: القسطل والمشتى، ومنجا والزيتونه، واللبن والطنيب، وأم العمد والخضراء، ونتل والزعفران، وحوارة والمناره وجلول، وأم الوليد وأم قصير، وارينبة الغربية، والعامرية،وعدداً من التجمعات السكانية،هي: دليلة، وصوفة، والنيروز،وأم رمانة، والغبية، والقنيطرة، وتجمعات منطقة المطار، والشيفية، ومخيم الطالبية، وزويزا. ويبلغ عدد سكان قرية الجيزة نفسها حسب إحصاء عام 2004م (3394) نسمة، ينتمي معظمهم إلى عشيرة بني صخر، والعجارمة.
وبنوصخر بطن من جذام، وهي قبيلة أردنية قديمة منها سيدنا شعيب، عليه السلام، وتتكون عشائر بني صخر من ثلاث مجموعات هي: الكعابنة، وخضير، والطوقة؛ ويتكون الكعابنة من: الخرشان والجبور. والخرشان هم: الخريشة،والشرعة، والحماد، والقضاة، والبدارين، والسليم. بينما يتكون الجبور مــن: الخوازيق، والعكمة، وجهينة، والفريج.
وتتكون الجموعة الثانية من عشائر بنى صخر وهي مجموعة خضير من ثلاث فرق: أولاد فضل، وأولاد برجس، والقنوة.
وتتكون المجموعة الثالثة من عشائر بنى صخر،وهي مجموعة الطوقة من: الغبين، وهم: الفايز والحامد والمطيرات والجحاوشة والدهامشة والشوشان والجساسرة. والعامر، وهم: الزبن والمسلم والشموط والعثمان. والهقيش، وهم: المهنا، والبشير والزيدان والعوازم.