نيروز الإخبارية : نيروز الإخبارية :
بقلم الدكتور عديل الشرمان.
يوما بعد يوم تتعاظم التحديات الأمنية التي تواجه المجتمعات بشكل عام , ومجتمعات المنطقة بشكل خاص, تلك التحديات التي تعد نتاجا للمتغيرات الدولية والاقليمية والمحلية , فعلى المستوى الدولي تتصارع وتتسابق قوى سياسية عالمية متضاربة المصالح على فرض هيمنتها وسيطرتها على بلدان المنطقة , وسلبها ارادتها, من خلال افتعال الازمات, وتفجير الصراعات المذهبية والعقائدية والطائفية, وتأنيب طرف على آخر, فضلا عن ما يحاك ضد الاردن من مؤامرات تهدف الى زعزعة أمنه واستقراره, ويزيد من خطورة هذه التحديات موقع الاردن الجغرافي ومكانته السياسية، حيث يحاط بسوار من التهديدات الارهابية, والاضطرابات السياسية المختلفة, فالوضع من حولنا مأزوم ومكلوم, ومرشح الى المزيد من الضبابية والغموض, ما جرى ويجري في البلدان العربية يمكن تسميته (صفعة القرن), اذ ان القتل والتدمير والتهجير الذي طال اوطاننا العربية هي حالة غير مسبوقة منذ عقود طويلة من الزمن, وما أن ننتهي من تلك الصفعة التي ستبقى آثارها ماثلة للعيان لعقود من الزمن, الا وتبدأ معها صفعة اخرى, حيث يدور الحديث الآن عن ما اصطلح على تسميته (صفقة القرن), فالوضع اشبه ما يكون بالإعصار الاقليمي المحدق بالأمة, ومسلسل درامي ما ان تنتهي إحدى حلقاته الا وتبدأ حلقة اخرى بأحداث أكثر سخونة واكثر خطورة، وبطبيعة الحال فان الاردن كان وما يزال في طليعة الدول المتضررة مما يجري, هذا فضلا عن التحولات الاجتماعية والاقتصادية على المستوى المحلي, وهي تحديات كبيرة, اذا الاردن مثقل بالهموم والمشكلات التي تحول او تعيق قدرته على بلوغ التطلعات, ومواصلة مسيرة البناء والتنمية، مما يستدعي ويتطلب تظافر الجهود للحد من آثار هذه التحديات ومخاطرها على مجمل الاوضاع الأمنية, والبحث عن الحلول والضمانات التي من شأنها تعزيز جبهته ووحدته الداخلية وزيادة تماسكها لمساعدة القيادة السياسية في تجاوز هكذا ظروف وتحديات.
وتكشف هذه الاوضاع التي نمر بها عن دور الاعلام الحيوي والهام كمنابر للتثقيف والتنوير, وفي تحريك الهمم والمعنويات والوطنيات الكامنة الراكدة, والبحث عن مكانة قيم الهوية الوطنية والمواطنة والانتماء في المضامين الاعلامية, فهي قيم كبرى وثوابت وضمانات لبقاء الدول وتطورها واستقرارها, حيث لم يعد اعلام التملق والمدح والاطراء و(التسحيج) بغية الحصول على المكاسب المادية, او بهدف تمرير اجندات خاصة, لم يعد له مكان على خريطة الاعلام الوطني وفي مجتمع اليوم المعاصر, ولم يعد العمل الاعلامي العشوائي الفوضوي الارتجالي له مكانة في المجتمع, ولم يعد دور الاعلام البحث عن تعبئة المساحات الزمانية أو المكانية عبر وسائله المختلفة, وانما يجب ان ترتبط هذه المساحات بهموم ومصالح الوطن والمواطن, وأن تكون قادرة على ملامسة حاجاته وتطلعاته وما يواجهه من تحديات, وأن تذهب هذه الوسائل الى تعظيم الايجابيات دون إغفال السلبيات بدلا من ان تكون منابر للتراشق والتلاسن, ونشر الرذيلة والعفن في المجتمع, واشاعة الفوضى والفساد والفرقة بين ابناء الوطن, او الانجرار وراء قضايا بسيطة تافهة لتخلق منها قضايا كبيرة تشغل الرأي العام وتفتح المجال (للقيل والقال) والاكاذيب ونشر الشائعات.
ان التحولات والتحديات التي تواجه المملكة اليوم تضع وسائل الاعلام امام امتحان صعب, وتجعل من تأصيل اسس ومبادئ الاعلام تأصيلا وطنيا غاية في الاهمية, فالإعلام جزء من صمام الامان, واحد الخطوط الهامة في الدفاع عن الوطن, وهو احد اهم الوسائل لتحصين اجيالنا بفكر حضاري مستنير ضد الانغلاق والتطرف والتعصب وتسليحهم بقيم المواطنة والطموح والتميز وحب العلم والانجاز, والاعلام مساهم اساسي في تقديم رسالة تكرس مفهوم سيادة القانون وتعظم انجازات الوطن, وانه من الأهمية بمكان النظر بصورة ثاقبة لأهمية الوظيفة الاجتماعية للإعلام لما لها من اثر ايجابي لحماية السلوك والبحث عن الاختلالات التي تؤدي إلى الجنوح وإثارة الفوضى وارتكاب الجرائم على اختلاف أنواعها .
ان الأعلام يستطيع أن يقوم بدور مهم من اجل ترسيخ مفهوم الأمن الوطني لدى النشء والشباب من خلال العمل على التعريف بمفهوم الأمن الوطني, وأبعاده وأهميته بالنسبة للمواطن, وبيان دور المواطن في منظومته, وإسهامه في ترسيخه, وواجبه في المحافظة عليه , وبيان أهمية تماسك المجتمع وتلاحمه ( الوحدة الوطنية ) ووحدة الصف والكلمة, ودور المواطن في تحقيق ذلك , والعمل على تكريس مفهوم ان الشباب والنشء هم الطرف الأهم في هذه المعادلة , وأن الآمال معلقة عليهم , ويقوم الإعلام بهذا الدور من خلال استنهاض همم الشباب وطاقاتهم وتعظيم أدوارهم، والترويج لآمالهم وطموحاتهم , وتعميق قيم الولاء والانتماء لديهم, وتشجيع الأعمال التطوعية , والانضمام إلى المؤسسات الأهلية التي تعمل في هذا المجال , كما تلعب وسائل الإعلام دورا في تنمية الوازع الديني لدى الشباب بأهمية وواجب المحافظة على الأمن الوطني، وتعزيز اسلوب الحوار ومرتكزاته لديهم .
لم يعد دور الاعلام البحث عن الاخبار المثيرة التي تلبي فضول المتلقي , ولا يتوقف دوره عند تزويد المواطنين بالأخبار والاحداث التي تقع في المجتمع, وانما يمتد دور الاعلام إلى حماية الأخلاق وتعزيز منظومتها، ورعاية وتوجيه السلوك الاجتماعي، بغية توفير الأمن لأفراد المجتمع, وهذا يتحقق بإعادة رسم خريطة الاعلام المحلي بما يتوافق ومتطلبات المرحلة التي تتسم بالتغيير والتعقيد, وان لا نستبدل العمل الاعلامي في اطار المسؤولية الاجتماعية بالعمل الاعلامي لصالح الانا الانانية الضيقة للكاتب او المرسل او الوسيلة الاعلامية , سعيا لتحقيق الشهرة والذاتية .
اشكالية الاعلام اليوم محليا واقليميا هي اشكالية السير في طرق لا نهايات لها وليس لها اهداف واضحة ومحددة, مما يستدعي اعادة النظر في الاستراتيجيات والخطط الوطنية في المجالات الاعلامية لجعلها اكثر فاعلية ولتعزيز ادوارها الايجابية في المجتمع , وان تكون شاملة يشارك في وضعها علماء ومختصين ومن ذوي الخبرة والراي في مختلف المجالات .