نيروز الإخبارية : نيروز الاخبارية :
موسى برهومة..كاتب وأكاديمي أردني.
لو يعلم زهير النوباني حجم الكراهية التي اختزنتها له أمي، لربما هاله ذلك. كانت تتفنّن في الدّعاء إلى الله بأن يأخذه أخذ عزيز مقتدر، وأن يقصف عمره، وكانت من شدّة انفعالها تبكي، متعاطفة مع "شوفة"/ ريم سعادة في مسلسل "الغريبة" لمحمد عزيزية، وتدعو لها بالصّبر على مؤامرات "بطيحان"/ زهير النوباني، الذي نال من الشتائم والأوصاف القبيحة، ما جعلني أحتفظ بصورة للنوباني متماهية مع صورته الشرّيرة في المسلسلات البدويّة، خصوصاً. وكنتُ أعتقد، وأنا ابن خمسة عشر عاماً، أنّ زهير النوباني والشرّ وجهان لعملة واحدة.
لم يشأ النوباني أن "يلوّث" اسمه طمعاً في نجوميّة زائفة أو ربح وفير فانتصر للمعنى وكسب الرهان على الجودة
وشاءت الأقدار أن نصبح زهير وأنا صديقين، لكنّ ما فاتني وأندم عليه كثيراً أنّ أمي رحلت وهي على كراهيتها لزهير، ولم يخطر في بالي أن أصالحهما، وهو ما كان يحتاج إلى مشقّة ربما لا تنجح المساعي فيها، فقد آلم زهير أمي كثيراً، وأصابها في الصميم، وأبكاها، وجعلها مرّات عديدة لا تأكل "لأنّ بطيحان سدّ نفسها عن الطعام"، وذات مشهد يتسلّل فيه "بطيحان" إلى بيت "شوفة" ويتصاعد الجدل بينهما، فتشهر "شوفة" البارودة في صدر "بطيحان"، فيما صوت أمي يتعالى بتوتّر دراميّ ويحرّضها: "طخّيه.. طخّيه. شو بتستني، يلا. طخّيه الخاين، الجبان، النذل، وناكر المعروف". وحين يضحك "بطيحان" بخبث، تردّ أمي على الفور: "ضحكة بدون أسنان"!
ولعلني على يقين بأنّ بداية الثمانينيات من القرن الماضي شكّلت جبهة شعبيّة من الأمهات والجمهور المعادي لزهير النوباني، وبعضهم، مثل أمي، لم يفصل بين الدراما والحياة؛ لأنّ زهير النوباني بأدواره اللئيمة قد جسّد الشرّ في ذروته الشّاهقة التي تماهت فيها الصّورة مع الأصل والتمثيل مع الواقع، وهذه معجزة الفنّان في شبابه.