نيروز الإخبارية : نيروز الاخبارية :
كتب محمد داودية
كان العالم كله يبدأ نهاره بقراءة الصحف، الملوك والرؤساء و»الاجهزة» والسياسيون ورجال المال والأعمال والاقتصاد والمثقفون.
وكان للمقالة حضور وتأثير لدرجة انها قد تخلق مشكلة أو تردم فجوة بين دولتين. فقد حصل ان عاتب الرئيس الفرنسي شيراك، الملك الحسين وهو يستقبله على درج الإليزيه، على مقالة لخالد محادين في الرأي.
كان الجميع في الأردن يبدأ نهاره بقراءة الجرايد: الملك ورئيس الوزراء ومدير المخابرات ومدير الأمن ووزير الإعلام والوزراء والأحزاب السرية والسفارات والإذاعات.
كتب بدر عبد الحق مقالة، اشفق فيها على اللص الذي تسلل إلى بيته، فلم يجد ما يسرقه، الا جهاز تلفزيون «سكراب» قديم.
اتصل الملك الحسين صباح نفس اليوم مع الكاتب بدر عبد الحق ومازحه طويلا، واوعز بإرسال أحدث وأكبر جهاز تلفزيون في البلد الى بيته. اخبرتني زوجته سلامة يوم أمس انها ما تزال تحتفظ به !!
تنجِب الشعوبُ كاتبا وربما كُتّابا كل يوم، ولا تنجب الشعوبُ مبدعا كل عام. وربما لا تفعل، كل عشرة أعوام.
غاب بدر عبد الحق عنا مرتين: مرةً حين فقد الذاكرة لمدة 15 سنة. ومرةً حين رحل قبل 11 سنة.
تميز بدر بالرّقة في علاقاته. وبالشّدة في مقالاته. وتميز بالود والعذوبة والدماثة. وكان لفرطِ دبلوماسيته يصلحُ سفيرا بامتياز.
قسا الزمنُ على بدر مرات. فقد مُنِع من الكتابة في مطلع الثمانينات، مع عدد من كتابنا الكبار، وقت ان كان الكاتب يهز ويعز، و له «وهرة».
وتم تسفيره بالبيجاما من احدى الدول العربية، لا على جريمة احتيال، بل على كتابة مقال.
تتمثل محنةُ بدر عبد الحق في أنه غاب وتسرب، في غير اوانه، وانكفأ الى عزلة قسرية وعتمة اجتماعية والى صمت شاق. وتألم بدر ألما قاسيا، اطلعتنا على نزر منه زوجته سلاّمة الجماعيني في كتابها «في انتظار البدر».
كان مرضُه أطولَ عملية اغتيال تعرض لها انسانٌ وانسانة وأسرةٌ رقيقة رهيفة: سَلاّمة الام. وثلاث بنيات كزغب القطا: ميس ووسن وسمر.
تميزت كتابات بدر بالإِدهاش والسخرية اللاذعة والدعابة والتهكم. بحيث يمكن تصنيفه احد رواد الأدب الساخر. وهو ما تجلى في مقالته «مشروعٌ لإنشاءِ دولة».
استمرت محنة بدر 15 سنة ثقيلة قاسية عليه وعلى اسرته. حملته زوجتُه سلاّمة خلالها، على عمرها وروحها، فحفظت ضعفه وكرامته.
- بمناسبة إحياء ذكرى بدر عبدالحق في رابطة الكتاب مساء أمس.