ثمة حاجة ملحة تدعونا؛ لتفعيل دور التربية الإعلامية في عصر الفضاء الإعلامي ، والتدفق المعلوماتي، حيث أصبح الإعلام يضطلع في تشكيل أدق الخصوصيات النفسية ،والثقافية بل وصياغة وتوجيه بوصلة المنظومة الاجتماعية ،والإنسانية وفق الإرادة الإعلامية وأهدافها، يقول (جوزيف جوبلر): أعطني إعلاماً بلا ضمير أعطك شعباً بلا وعي.
إن نشأة التربية الإعلامية عميقة الجذور، ولعلها قد تجاوزت عدة عقود فقد دعت منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والفنون (اليونسكو) ضمن استراتيجيتها لتدريس التربية الإعلامية عام (1982م)؛ لتكون التربية الإعلامية جزءاً من االحقوق الأساسية لكل مواطن في كل بلد من بلدان العالم، وتوصي بضرورة إدخال التربية ضمن أنظمة التعليم ،وقد جاءت فكرة تشكيل فريق حكومي لمتابعة مشروع التربية الإعلامية، والذي تعهدت فيه الحكومة؛ بتبني إطار استراتيجي وطني ضمن أولويات عملها للعامين (2019م/ 2020م ) لنشر التربية الإعلامية والمعلوماتية؛ تلبية لنداء الواقع، كما وقد اعتبرت ممثلة (اليونسكو) كوستانزا مارينا أن اندماج الأردن بالتربية الإعلامية والمعلوماتية يعزز مفهوم المواطنة، ومفاهيم حقوق الأنسان.
لقد أضحت التربية الإعلامية مشروعاً وطنياً ينقلنا من مشروع دفاع وردود أفعال إلى مشروع تمكين، واستشراق للآتي، وحيث أن ميدان التربية الإعلامية مما لا جدل فيه ضرورة حضارية ، وواجب وطني ، وقيمة عصرية فهي المؤهلة والقادرة على بناء واستثمار الطاقات واستنطاقها، واتاحة الفرصة لاستقلالية الفهم، وتفعيل مفهوم المواطن الصالح؛ للمشاركة في بناء المنظومة الاجتماعية، وبناء الذهنية الناقدة، واقصاءً للعقول الإمعية (الآبائية) أو (الوعي المعلب)؛ لتوظيف الإعلام بشقيه الجديد والتقليدي في مساره المنشود حيث يقودنا حسن الانتقاء والقدرة على القراءة الواعية للوافد إلينا من مختلف النوافذ، والأبواب الإعلامية، والقدرة على اتناج واستثمار معطيات الإعلام المعاصر، والانفلات من سلبياته في عصر بات فيه جهد الفرد (المواطن الصحفي) قد يفوق جهود منابر إعلامية مؤسسية من خلال منصات التواصل الاجتماعي الآسرة، وتؤكد الرابطة الوطنية الأمريكية للتربية الإعلامية أن التربية الإعلامية هي: سلسلة من الكفاءات الإعلامية، التي تتيح للأفراد أن يكونوا مفكرين، وناقدين في العديد من الرسائل الإعلامية، مثل:- الصورة، واللغة..، وتمنحهم الوعي بإمكانات ومخاطر الإعلام. فإذا كان المشهد التربوي الذي تتصدره الأسرة والمدرسة منذ عقود قليلة قد خلت فإن المشهد التربوي في اللحظات الراهنة يتصدره الإعلام بشقيه: الجديد والتقليدي، بل كاد أن يُقصي أويُهمش الوسائط والمؤسسات التربوية الأخرى، فإن لم نخطط لحاضرنا ومستقبلنا، فسيأتي من يفرض علينا مخططه ، وستأتي حلولنا ردود أفعال مبتورة قاصرة عن اشباع ظمأ المعاصرة، وسباقها التقني، وتكاثرها المعرفي؛ لذا جاءت فكرة إعداد منهاج، ودورات تدريبية محكمة، تتسق وتتناغم، وثقافة المجتمع، وتحدياته، وتطلعاته وخصوصياته مطلباً رئيساً تتعاضد عليها الجهات المؤسسية والفردية.
كما أن التربية الإعلامية تلزم الإعلام بمواثيق، وضوابط أخلاقيات الشرف الإعلامي لتحد من الانفلات الإعلامي المضاد، إضافة إلى أنها ترفدنا بمضامين إعلامية جديدة قادرة على التفاعلية والمشاركة؛ لترفد منظومتنا الوطنية بدماء، وأنفاس شبابية متجددة؛ للصمود أمام التحديات؛ لإستبدال ثقافة العنف والكراهية، والإنقسمات بثقافة الحب وقبول الآخر، وثقافة التنوع والاختلاف الذي يكمن فيه سر انسياب الحياة، ومرونتها وجماليتها؛ للحفاظ على حصانة اللحمة الوطنية من إفرازات الإشاعة، وطوفان الأخبار المغرضة المضللة التي تنساق إليها بعض الشرائح الإجتماعية جهلا أو قصدا للإستسلام لثقافة اليأس والهزيمة الداخلية والإنكسار الحضاري بعيدا عن ثقافة التثبت ،وفريضة التيقن.