استراحة اليوم تحكي قصة رجال كانوا أهلًا للفخر، يسطرون أجمل قصص العطاء والتضحية ويعزفون أرق معزوفات الشهامة والمروءة. حفظوا الجار والجوار، وتفانوا في إكرام الضيف، وعبدوا الله بقلوبهم وأفعالهم لا بطول لحاهم أو قصر ثيابهم. تعاون مثالي، أكلوا طراميز الذرة وكراديش الشعير، وطحنوا البلوط وخبزوه، ولم يبيعوا الأوطان أو يفرطوا بها أو بمقدراتها، بل طلبوا البركة في رزقهم فبورك لهم فيه.
هؤلاء هم أجدادكم وآباؤكم، وكأنموذج من النماذج التي توجوا بها رؤوسهم، أروي لكم هذه القصة الحقيقية التي حدثني بها المرحوم الشيخ محمد الأعمر القادري -رحمه الله- إذ أخبرني أن مجموعة من المتجاورين كانوا يذهبون لحصاد زرعهم من الحبوب على اختلاف أنواعها في منطقة عنيبة شرق مدينة جرش. حيث التلال المترامية الاطراف مع تناثر هنا وهناك لأشجار السنديان حيث تقام حول سيقاها العرائش لحفظ امتعتهم وفي ظلالها عنيجلسون لتناول الطعام او طلب الراحة مع كاسة من الشاي، وفي حال عدم عنوجودها تقام الخرابيش والخيم لتسد مقامها، الى جانب زير الماء وكوز المطلي مع ربط يده بخيط أو أو فطعة حبل تلتف حول رقبة الزير الذي يغطى بابه بقطعة داىرية من الخشب لكي لا يقع به شيئا من الحشرات وحدث أن أحدهم أصيب بوعكة صحية منعته من استكمال العمل مع بقية المجموعة من الحصادين التي أكملوا عملهم ولم يتبقى عليهم إلا أن يكملوا نقله إلى البيدر في قوادم على ظهور دوابهم ،جلسوا معًا بعد تناول العشاء، تذكروا جارهم الذي تأخر عنهم، فقرروا أن يذهبوا في الصباح لٱكمال حصاد زرعه (عونًا) أي فزعةً دون مقابل.
وبعد قليل، خرج أحدهم لقضاء حاجته، ونظر إلى السماء، فكان القمر ينير المكان في أبهى صورة، فسُر بذلك وعاد إلى جماعته، وقال لهم: "القمر يضيء المكان على أحسن ما يمكن، وأقترح عليكم أن نذهب الآن ونحصد زرع جارنا قبل بزوغ شمس الغد." استهوتهم الفكرة، فقاموا يلوحون بمناجلهم ويغنون:
منجلي يا من جلاه ** راح عالصانع جلاه
ما جلاه إلا بحبه ** يا ريت الحبة عزاه
منجلي يا ابو رزه ** وش جابك بلاد غزه
جابني حب البنات ** والعيون الناعسات
وفعلًا، لم تبزغ شمس اليوم التالي إلا وزرع جارهم قد حُصِد، والأجمل من ذلك كله أنهم لم يخبروا جارهم، الذي أدهشته المفاجأة عندما ذهب صباحا للحصاد فوجد زرعه قد حصده جيرانه.
يا لكم من رجال اوفياء، ذوي كرامة ومروءة، واخلاق سامية.