في رحاب قرية ماحص الوادعة، وُلد معروف البخيت عام 1947، ليمضي رحلة حافلة بين صفوف الجيش والسياسة والدبلوماسية، تاركًا بصمة لا تُمحى في التاريخ الأردني الحديث. لم يكن مجرد مسؤول مرّ في مواقع صنع القرار، بل كان شخصية جمعت بين العسكرية والانضباط، والسياسة والدهاء، والإدارة والرؤية الاستراتيجية.
العسكرية.. حجر الأساس
منذ التحاقه بالقوات المسلحة الأردنية، بدأت ملامح شخصية البخيت تتشكل في بيئة منضبطة، غرست فيه قيم الولاء والتفاني. خدم نحو ثلاثة عقود، متنقلًا بين قطاعات الجيش، ليكون شاهدًا على أحداث مفصلية مثل حرب حزيران والكرامة وحرب أكتوبر. لم يكن مجرد ضابط يؤدي واجبه، بل كان يرى في المؤسسة العسكرية مدرسة تصنع الرجال وتوحّد الهوية الوطنية.
الدبلوماسية.. اشتباك هادئ مع التحديات
بعد تقاعده من الجيش عام 1999 برتبة لواء ركن، لم يبتعد البخيت عن دوائر التأثير، بل دخل معترك الدبلوماسية، حيث عمل مستشارًا في وزارة الخارجية وسفيرًا في تركيا، قبل أن يُكلف بمهمة حساسة كسفير للأردن في تل أبيب. ورغم قِصر المدة التي قضاها في هذه المواقع، إلا أنه كان حريصًا على الدفاع عن المصالح الأردنية بثبات واتزان.
السياسة.. تحديات كبرى في أوقات حرجة
توج البخيت مسيرته بتوليه رئاسة الوزراء مرتين، الأولى بين عامي 2005 و2007، والثانية عام 2011، في فترات شهدت اضطرابات إقليمية وضغوطًا داخلية متزايدة. عُرف بأسلوبه الحازم في التعامل مع الملفات الصعبة، وواجه تحديات الإصلاحات السياسية والاقتصادية وسط موجة من التغيرات العربية. كما أن اختياره لرئاسة الحكومة الأولى جاء بعد تفجيرات عمان الإرهابية عام 2005، حيث حمل على عاتقه مسؤولية تعزيز الأمن والاستقرار.
إرث البخيت.. رجل الدولة بامتياز
لم يكن البخيت مجرد مسؤول أدى مهامه ثم انسحب، بل كان شخصية جمعت بين الانضباط العسكري والهدوء السياسي والرؤية الاستراتيجية. ورغم رحيله في 7 أكتوبر 2023، إلا أن اسمه سيبقى حاضرًا في الذاكرة الوطنية، كنموذج لرجل الدولة الذي خدم بلاده بإخلاص، دون ضجيج أو بحث عن الأضواء.
رحم الله "الباشا" معروف البخيت، وأبقى سيرته حية في صفحات التاريخ الأردني.