في تاريخ البادية الأردنية، تبرز أسماء حفرت بطولاتها في ذاكرة الزمن، وكان الشيخ الفارس تركي بن حيدر بن فهار الزبن، الملقب بـ"أخو هذرمة"، واحدًا من هؤلاء الرجال الذين سطّروا مواقف من الفروسية والشهامة والنخوة، حتى أصبح اسمه مرادفًا للرجولة والمروءة.
نشأة فارس البادية
وُلد الشيخ تركي عام 1875 في مضارب بني صخر، ونشأ في بيئة بدوية قاسية، صقلت شخصيته على الصبر والقوة والكرم. لم يكن رجلًا ضخم الجثة، لكنه كان صاحب قلب أسد، وفارسًا مهابًا. كان صموتًا لا يتحدث كثيرًا، لكنه إن قال فعل، وإن وعد أنجز، وامتاز بعزة النفس ونقاء السريرة.
بطولاته ومواقفه المشرفة
لم يكن فارس بني صخر مجرد شيخ قبيلة، بل كان بطلًا قوميًا خاض العديد من المواقف البطولية، ومن أشهرها تحرير أحد أبناء عشيرة السلايطة من الإعدام على يد العثمانيين. عندما سُجن الشاب وتم نقله مع مجموعة من السجناء من الكرك إلى دمشق، هاجم تركي الزبن القطار وقتل الحراس وحرر الأسرى، وكان لهذا الفعل أثر كبير في تعزيز هيبته وشهرته بين القبائل.
ومن الأحداث التي ارتبط اسمه بها حماية بني صخر لعشائر الكرك بعد "هية الكرك" عام 1910، حيث لجأت بعض العشائر إلى مضارب بني صخر في خان الزبيب، مما حال دون ملاحقتهم من قبل القوات العثمانية، وظلوا هناك تحت حماية القبيلة لمدة عامين.
وفي الثورة العربية الكبرى عام 1916، كان لفارسنا دور بارز في مساندة قوات الثورة، حيث قاد فرسان بني صخر في المعارك، جنبًا إلى جنب مع القائد عودة أبو تايه من الحويطات، الذين كان لهم الدور الأبرز في إشعال شرارتها والانتصار على الأتراك.
الوقوع في الأسر والنجاة من الإعدام
في عام 1917، وقع الشيخ تركي في أسر العثمانيين واقتيد إلى سجن عالية في دمشق، حيث كان مسجونًا مع الزعيم قدر المجالي ومجموعة من أحرار العرب. وبدون محاكمة عادلة، صدر قرار بإعدامهم جميعًا.
لكن الأقدار لعبت دورها، فقد كانت مديرة السجن ابنة لحاج تركي كان والد تركي قد أنقذه قبل سنوات في الصحراء. وعندما علمت بحقيقة هوية تركي، قررت رد الجميل، فأخبرته أن السجناء سيتم إعدامهم بالسم، وطلبت منه التظاهر بالموت. وهكذا، نجا من الإعدام بأعجوبة، لكنه لم يتمكن من إنقاذ رفيقه قدر المجالي.
مصوت العشا وكرم الضيافة
لم يكن تركي الزبن مجرد محارب، بل كان رجل كرم وسخاء، فكان ديوانه عامرًا، ومضيفه مشرعًا لكل من قصد بابه. لقب بـ"مصوت العشا" لأنه كان يرفع صوته مساءً ليهتدي إليه من ضل طريقه في الصحراء، وكان بيته ملجأ لكل عابر سبيل أو قافلة تجارية أو حاج متجه إلى الديار المقدسة، خاصة أن بيته كان قريبًا من محطة خان الزبيب، إحدى المحطات المهمة على طريق الحج.
نضاله ضد الاحتلال والغزوات
لم يتوقف دوره عند حدود القبيلة، فقد كان قائدًا وطنيًا ساهم في التصدي للاحتلال الإسرائيلي في بداياته، وقاد فرسان بني صخر في عدة معارك، كما كان له دور في صد غزوات "الإخوان" الوهابيين، الذين حاولوا غزو مناطق البادية الأردنية.
رحيل الفارس وخلود الذكرى
في عام 1983، رحل الشيخ تركي بن حيدر الزبن عن الدنيا، لكنه بقي خالدًا في ذاكرة البادية والتاريخ الأردني، فارسًا مغوارًا، ونموذجًا للرجولة والشهامة والإيثار.