لا يوجد فقد ولا يوجد وجع بعد فقدان فلذات القلب " الضنا"، في لحظات الألم العميق، حين ينكسر القلب وتضيع الأحلام، ينهض الرجال العظام ليضربوا أروع الأمثلة في الشهامة والنخوة. هذه ليست مجرد كلمات تُقال، بل مواقف حقيقية تخلدها الأيام، ويشهد لها التاريخ. قصة الشاب الذي فقد حياته عن طريق الخطأ، والأب الذي واجه الفاجعة بجبل من الصبر، ليضمد جرحه بجبر كسر الآخرين، ليست مجرد حادثة، بل درس في الرجولة التي لا تعرف الحقد، والكرامة التي تسمو فوق الانتقام.
الحباشنة هذا الأب، الذي لم يترك الحزن يسيطر عليه، لم يسمح لكسر قلبه أن يدفعه إلى كسر غيره. لم يجعل المأساة تنال من أصالته، بل واجهها بقلب رجل لم تُخلق الضغينة في روحه. عفا عن ابنة كانت ستُلقى في ظلام السجون، وحول فاجعته إلى موقف إنساني نبيل، تسجد له القيم وتنحني له الرجولة.
الكرك، الأرض التي أنجبت الأبطال، لا تخرج منها إلا هذه المواقف العظيمة، حيث الرجولة ليست مجرد كلمة، بل فعل ومبدأ، حيث الشهامة ليست شعارات، بل مواقف تُسطر بمداد النبل والكرامة. لا أعرفه شخصيًا، لكنني أعلم أنه من أرض الرجال الذين يصنعون المواقف لا المآسي، ويختارون العفو رغم الجراح، لأنهم أبناء الكرامة والعزة.
رحم الله ولده وأسكنه الفردوس الأعلى، ودمت أيها البطل، أيها المكسور والمجبر، دمت يا ابن الكرك رمزًا للشهامة والنخوة. ودام الأردن وطنًا يصنع فيه الرجال المواقف التي يتحدث عنها التاريخ بكل فخر.