مع إشراقة أولى تكبيرات العيد، تستيقظ الأحلام الصغيرة التي توسدت الوسائد، مترقبةً صباح الفرح. كانت الأيام تسير ببطء، وكأنها تماطل الوصول إلى العيد، فيما العيون الصغيرات تتقلص وتتسع، تتأرجح بين النوم واليقظة، تراقب الملابس الجديدة المصفوفة بعناية، تلامسها بحب، تجربها، ثم تعود لتغفو على ابتسامةٍ لا تفارقها.
في الزوايا الدافئة للغرف، تستعد طفلةٌ لتنام في حضن والدتها، تجدل شعرها الطويل، تغمس كفّيها في الحناء الداكن، بينما تمتلئ أجواء المنزل برائحة العطور وحكايات الأخوال والأعمام، وصوت الأرجوحة الخشبية التي تتمايل مع ضحكات الصغار. وعلى أحد الرفوف، تتراكم قطع النقود والحلوى المغلفة بألوان زاهية، تنتظر بلهفة أن تعانق الأكف الصغيرة.
في زاوية المطبخ، إناءٌ محظور اللعب بقربه، مغطىً بحرص، يحتضن عجينة أقراص العيد، تُدفأ جيدًا استعدادًا للصباح. ومع انبلاج الفجر، ينتشر عبق الزيت والزعتر، تختلط رائحة القهوة المحمصة بالفرحة الساكنة في كل ركن.
البيوت تتهيأ لاستقبال الضيوف، تُكنس العتبات، تُرش بالماء، وتعتليها نظرات الأمهات والجدات اللواتي يترقبن القادم من بعيد، تُوقد مشاعل الاشتياق، تتمنى لو أن الغائبين يعودون، ولو للحظات.
وعند أطراف القرى، حيث ترقد الذكريات، هناك أم تناجي روح ابنها الغائب، وابنٌ يحنّ ليدٍ كانت تربّت على كتفه في أعياد مضت. وبين هذا وذاك، تنطلق الأيادي في مواكب التسامح والتكافل، تُصافح القلوب، تعيد للعيد معناه الأصيل.
إنه يوم العيد، حيث يلتقي الدفء برائحة الطابون وزيت الزيتون، يتجلى الحب في تقبيل الأكف، وتُزهر البهجة في ملابس جديدة، وحناءٍ تغطي الأيدي، وعطر الندّ الذي يملأ الأجواء. إ
نه مزيجٌ فريد من فرح الطفولة، ونكهة العيد، وموسم التسامح الذي لا يخبو.