في ظل التطور السريع لتكنولوجيا المعلومات وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، أصبحنا نشهد تغييراً جذرياً في طريقة نقل الرسائل والأفكار وتوجيه الرأي العام، من واقع بحثي ودراستي المتعمقة للمشهد الرقمي، أرى أن هناك استراتيجيات دقيقة وممنهجة تُستخدم في الفضاء الإلكتروني لاستهداف الفئات المختلفة داخل المجتمع العربي، أحد أبرز هذه الاستراتيجيات يتمثل في استغلال منصات مثل فيسبوك وتويتر لنشر المعلومات المضللة وتحفيز الانقسامات بين العرب، حيث تتبنى جهات معينة سياسات تهدف إلى تفكيك التماسك الاجتماعي وإضعاف الوحدة الوطنية، لقد لاحظت أن هناك أساليب تعتمد على إنشاء حسابات وهمية ومجموعات متظاهرين على أنها تحمل أصواتاً حقيقية داخل المجتمعات العربية، لتصعيد النزاعات الداخلية ونشر صورة سلبية عن بعض الفئات أو الجهات، من خلال نشر مقالات مفبركة وأخبار مغلوطة تُستهدف الحساسية الجماعية للقضايا الوطنية، يتمكن الفاعلون من خلق حالة من الشك وعدم الثقة بين مختلف الأطراف، ما يؤدي بدوره إلى تعطيل الجهود المشتركة لتحقيق أهداف تنموية وسياسية حقيقية، وقد تجسدت هذه الأساليب في بعض الحملات الرقمية التي رصدتها أثناء بحثي، حيث كانت الرسائل المنسوبة إلى جهات معينة تحمل نبرة استفزازية وتدعو إلى الاستقطاب بين الفئات المختلفة، كما ألاحظ أن هذه العملية لا تقتصر على مجرد نشر المعلومات المغلوطة، بل تتعداها إلى استخدام تقنيات تحليل البيانات والذكاء الاصطناعي لاستهداف الفئات الضعيفة أو المستجيبة بسهولة للتلاعب، فبفضل التقنيات الحديثة، يمكن تتبع الأنماط السلوكية للمستخدمين وتصنيفهم إلى شرائح محددة، مما يسمح بإعداد حملات دعائية متقنة تهدف إلى زرع بذور الفتنة والشك داخل المجتمع، ورغم أن هذه التكتيكات قد تبدو بسيطة على المستوى السطحي، إلا أنها تنطوي على آليات متقدمة تحاول أن تجعل من التضليل ظاهرة طبيعية في ظل تدفق المعلومات المتواصل، من واقع تجربتي، يمكن القول إن تأثير هذه الحملات يمتد إلى ما هو أبعد من مجرد تأجيج الخلافات، إذ يؤثر سلباً على الثقة بين أفراد المجتمع ويعيق قدرة الجماعات على التكاتف في مواجهة التحديات المشتركة، فالانقسامات التي تُزرع عبر الفضاء الرقمي تؤدي إلى ضعف المواقف الوطنية وتشتت الجهود المبذولة لتحقيق مصالح الشعوب، وفي هذا السياق، يظهر دور الجهات الفاعلة في محاولة إعادة تشكيل الخطاب السياسي والاجتماعي بما يتوافق مع أهدافها، وهو ما يشكل تحدياً كبيراً أمام الحركة المجتمعية والإصلاح السياسي في العالم العربي، من هنا، يتضح أن الساحة الرقمية أصبحت مسرحاً لصراعات خفية تتقاطع فيها المصالح السياسية والأمنية مع الأساليب الدعائية الحديثة، ومن وجهة نظري، لا يمكن إغفال أهمية الوعي الرقمي لدى المستخدمين، إذ يتعين علينا كأفراد ومجتمعات تطوير قدرة تحليل المعلومات والتمييز بين الحقيقة والتزييف، إن تعزيز ثقافة التحقق من المصادر والابتعاد عن المشاركة العمياء للمحتوى المثير هو السبيل الوحيد لمواجهة محاولات التفكيك الاجتماعي التي يُروّج لها عبر الإنترنت، وفي ضوء ذلك، أدعو إلى المزيد من البحث والدراسة حول هذه الظاهرة، إلى جانب اتخاذ سياسات رقمية تحفظ أمن المعلومات وتدعم الوحدة الوطنية في مواجهة التحديات الرقمية الحديثة.