من مدينة إربد، حيث تنمو البدايات البسيطة وتتشكّل الأحلام الكبرى، خرج صهيب عدنان الملكاوي إلى فضاء الإعلام العربي بثباتٍ يليق برجل آمن بالكلمة وصوتها وقدرتها على تشكيل الوعي. وُلد في ٢٧ نيسان ١٩٧٤، ونشأ في بيئة تحمل تقديرًا للمعرفة والعمل، ليجد في الإعلام نافذته الأرحب نحو العالم. حمل حلمه إلى جامعة اليرموك، حيث درس الصحافة والإعلام، متخصصًا في الإذاعة والتلفزيون، وتخرج عام ١٩٩٥ محمّلًا بالخبرة الأكاديمية والشغف المهني الذي سيقوده لاحقًا إلى واحدة من أهم التجارب الإعلامية في المنطقة.
بدأ الملكاوي مسيرته من مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الأردنية، المؤسسة الأم التي خرّجت أبرز الأصوات الإعلامية الأردنية. وفي عام ١٩٩٨ أصبح مذيعًا للأخبار السياسية، ليقدّم على الشاشة حضورًا رصينًا يجمع بين الثقة، والنبرة الواثقة، والقدرة على إدارة الخبر وتقديمه بموضوعية عالية. وعلى مدى ثلاث سنوات، حتى عام ٢٠٠١، تمكن من ترسيخ اسمه ضمن الوجوه الشابة التي أثبتت كفاءة واضحة في التعامل مع البث المباشر وأجوائه التي لا تخلو من التوتر.
عام ٢٠٠١ شكّل نقطة التحوّل الكبرى في رحلته المهنية. التحق بقناة الجزيرة، المؤسسة الإعلامية التي غيّرت شكل المشهد الإخباري العربي ورفعت معايير الأداء الصحفي إلى مستويات جديدة. هناك، ظهر صهيب الملكاوي مذيعًا في الأخبار السياسية حتى عام ٢٠٠٥، مقدّمًا نموذجًا للإعلامي القادر على الجمع بين قوة الحضور ومهارة الاستيعاب اللحظي للتطورات المتسارعة. كانت الشاشة تنقله يوميًا إلى ملايين البيوت، وكان يقدّم الأخبار بروح المهنة الخالصة التي لا تتنازل عن الدقة ولا تتردد أمام اللحظة.
وفي عام ٢٠٠٥، بدأت مرحلة جديدة في مسيرته عندما انتقل لتقديم الأخبار الاقتصادية، وهي الانتقالة التي لم يجرؤ عليها كثيرون؛ فالاقتصاد لغة خاصة، ومعالجة بياناته ورقمه تتطلب خلفية عميقة وقدرة تحليلية لا تتوفر لكل إعلامي. لكن الملكاوي استطاع أن يصنع من هذه التجربة فرصة لتعميق حضوره، فانتقل بسلاسة إلى منصات الاقتصاد، وبقي فيها حتى اليوم أحد الوجوه الراسخة التي تقدّم المعلومة الاقتصادية بلغة مبسطة دون أن تبتعد عن عمقها. قدّم للمشاهدين قراءة مختلفة للأحداث، قائمة على الربط بين المال والسياسة، وبين حركة الأسواق والملفات الجيوسياسية، وبين الخبر الخام والانعكاسات التي لا يراها إلا من يمتلك حسًّا تحليليًا متقدمًا.
إلى جانب عمله في النشرات، قدّم صهيب الملكاوي برنامج "بين السطور"، وهو برنامج يقترب من جوهر التحليل ويفتح للمتلقي مساحة لفهم خلفيات الأحداث، كما قدم برنامج "الاقتصاد والناس" من الدوحة ومن عواصم عربية مختلفة، ليأخذ المشاهد في رحلة ميدانية إلى قضايا الاقتصاد الشعبي وحياة الناس اليومية. أما فقرته التحليلية "في الميزان" فكانت نافذة أسبوعية يقدّم فيها معالجة معمقة لملفات اقتصادية تتصدر العناوين، محللًا بالأرقام والوقائع، ومترجمًا للمعطيات العالمية بلغة يفهمها الجمهور العربي.
لم تتوقف مسيرته عند حدود الاستوديو، بل امتدت إلى الميدان حيث تُكتب القصص الكبرى. قام الملكاوي بتغطيات واسعة لأحداث سياسية واقتصادية شكلت محورًا في التاريخ الحديث، كان أبرزها الحرب في أفغانستان عام ٢٠٠٢، والحرب على العراق عام ٢٠٠٣، وحصار الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات عام ٢٠٠٤، والأزمة المالية العالمية عام ٢٠٠٨، وصولًا إلى تغطية الحرب على غزة عام ٢٠٢٣. في كل محطة من هذه المحطات، حمل صوته مزيجًا من المهنية والإنسانية، وقدم صورة واضحة لما يجري على الأرض، ملتزمًا بمعايير الدقة والتوازن التي صنعت مكانته وثقة الجمهور به.
كما شارك في تغطية مؤتمرات اقتصادية وسياسية عالمية في عواصم عربية ودولية، حيث أجرى مقابلات خاصة مع رؤساء حكومات ووزراء ورؤساء تنفيذيين لشركات عالمية، وهو ما أضاف إلى تجربته بعدًا احترافيًا مكّنه من فهم معمق لبنية الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية. استطاع من خلال هذه اللقاءات أن يقدّم للمشاهد تقارير معمقة وتحليلات تستند إلى معطيات مباشرة من صناع القرار.
صهيب الملكاوي اليوم هو تجربة إعلامية متكاملة تجمع بين مهارات التقديم، والقدرة على التحليل السياسي والاقتصادي، والخبرة الميدانية، وسعة الاطلاع، والقدرة على تبسيط المفاهيم المعقدة. هو واحد من الأصوات التي أثبتت أن الإعلام ليس نقلًا للأحداث وحسب، بل قراءة واعية لما وراءها، وأن المذيع القادر على الانتقال بين السياسة والاقتصاد بمرونة هو إعلامي يملك أدوات فريدة تجعل منه قيمة مضافة لأي مؤسسة يعمل فيها.
بهذه الرحلة الممتدة من إربد إلى الدوحة، ومن الأخبار السياسية إلى التحليلات الاقتصادية، ومن الميدان إلى مراكز القرار، يرسخ صهيب الملكاوي مكانته واحدًا من أبرز الوجوه الإعلامية الأردنية والعربية التي جمعت بين الخبرة المهنية والرؤية التحليلية والقدرة على التجدد. وهو نموذج للمذيع الذي لا يقف عند حدود الشاشة، بل يجعل منها منبرًا لتقديم المعرفة بوضوح ومسؤولية واحترام لعقل المشاهد.