نيروز الإخبارية : موقف الشريف الحسين بن علي من القدس
د. خضر عيد السرحان.
تحتاج الثورة العربية إلى إعادة قراءة من المفكرين العرب بعيدا عن سلطة المال والإعلام ، فبعد أن وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها كشفت بريطانيا عن نيتها الحقيقية اتجاه الشريف الحسين بن علي والثورة العربية فتنكرت للاتفاق الهاشمي البريطاني باستقلال العرب وطلبت من الشريف حسين القبول بالأمر الواقع والاعتراف بوضعها في العراق ومصر وإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين مقابل المحافظة على عرشه في الحجاز، و في مؤتمر الصلح الذي عقد سنة 1919 كرست الدول الحليفة كل جهدها لتكون فلسطين من ضمن ممتلكاتها وتابعة لها لتحقيق وعد بلفور ومارست ضغوط شديدة على الوفد العربي والذي كان برئاسة فيصل بن الحسين ليقبل بذلك مقابل الاحتفاظ بملك الحجاز، وقد أرسل الشريف حسين إلى نجله فيصل بعدم قبول أي اتفاق يتعارض مع التعهد الذي قطعه الحلفاء للشريف حسين باستقلال الوطن العربي ، وعندما عرضت بريطانيا المعاهدة والتي تحوي الاعتراف بفكرة أنشاء وطن قومي لليهود رفض الشريف حسين تلك المعاهدة في بيان قال فيه :
”عرضت على الحكومة البريطانية معاهدة عدلتها بحيث ينص فيها على استقلال فلسطين وجعلت وعد بلفور في حكم أنه لم يصدر وإذا لم تقبل الحكومة البريطانية هذه التعديلات فلا يمكن أن أقبل المعاهدة" ، وقد عبرت بريطانيا عن رغبتها بالتخلص من الشريف حسين لوقوفه في وجه مشروعها في إقامة الدولة اليهودية في فلسطين وعبر عن ذلك السير “أرنولد ولسون” بقوله: إن تخلى الحسين عن العرش يساعد على تهدئة الموقف ويسهل تسوية قضايانا في فلسطين وسوريا والعراق حسب الخطوط التي يقبل بها الحلفاء"، وقد ترافق هذه التصريح مع حملة إعلامية قوية موجهة ضد الشريف الحسين بن علي تظهره على انه الخائن للعرب والمتحالف مع أعداء الإسلام في سبيل القضاء على الخلافة الإسلامية.
عرضت بريطانيا على الشريف حسين عروض مغرية في سبيل أن تأخذ منه اعتراف بوضع اليهود في فلسطين إلا أن الشريف حسين أصر على أن يكون صريحا مع الأمة وأعلن بموسم الحجيج انه لن يوقع أو يقبل أي اتفاقية فيها مساس بعروبة فلسطين وقال : “أوكد لكم أنه إذا لم تفعل حكومة بريطانيا التعديلات التي طلبتها فلا يمكن أن أوقع على المعاهدة بل أرفضها رفضا باتا، وكونوا على ثقة أنه لا يمكن أن يذهب شبر من أراضي فلسطين فإنّا نحافظ على فلسطين محافظتنا على بيت الله الحرام ونريق في سبيل ذلك آخر نقطة من دمائنا" .
أمام هذا الموقف للشريف الحسين بن علي وقفت بريطانيا موقف الخصم من الشريف ولم تقدم له الدعم والمساندة أمام ما كان يتعرض له من ضغط في الحجاز مما اضطره للخروج من الحجاز خاسر ملكه وعرشه لكنه لم يخسر عروبته ودينه وبقي على موقفه الرافض رافضا باتا إقامة وطن لليهود في فلسطين وكان من شدة حرصه ومحبته للقدس والتي قارنها بمكة والمدينة أن أوصى أن يدفن فيها وكان له ما أراد .