مهمة جليلة قدمها أحد الأشخاص الأجلاء عندما صنف تفسير القرآن الكريم بالإسناد، فمن هو صاحب هذه الخطوة المهمة؟.
أول من صنف تفسير القرآن الكريم بالإسناد هو الإمام مالك بن أنس، وهو ثاني الأئمة الأربعة عند أهل السنة، وصاحب المذهب المالكي.
اسمه بالكامل هو مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو بن الحارث الأصبحي، ولد في المدينة المنوَّرة لأم وأب عربيين يمنيين، ويعود أصله إلى قبيلةٍ يميَّنةٍ؛ تُدعَي بذي أصبح، وتسمَّى أمُّه بالعالية بنت شريك الأزديَّة.
وقد بدأ في طلب العلم منذ نعومة اظفاره، فنال من العلم الكثير وأصبح عالمًا ومفتيُا وهو ابن أحدى وعشرين سنة، وبدأ الناس بقصده واللجوء إليه للاستفادة من علمه ومعرفته.
ومن أمثلة شدَّة حرص الإمام مالك على العلم؛ أنَّه انقطع لمدة ثماني سنواتٍ للتعلّم على يد ابن الهرمز، فكان يأتي بيته صباحاً ويغادر ليلًا، وقد ساعده حرصه على طلبه للعلم واستمراره على ذلك؛ فقد كان الإمام مالك يتميز بقوَّة حفظه، وورد في حفظه أنَّه كان يأتي عروة، وابن المسيِّب، والقاسم، وأبا سلمة، فيسمع منهم ما بين الخمسين والمئة حديث، ولا يخلط بينها أبداً.
وكان لذكاء ودقَّة ملاحظة الإمام مالك أثرٌ كبيرٌ في طلبه للعلم؛ فكان يفقه ما يحفظ من الأحاديث، وله علمٌ بحكمة التَّشريع، وكان في فتواه يعتمد على قاعدة جلب المصالح ودرء المفاسد، فبرع في علم الحديث والفقه، وكان محاطاً بطلاب العلم لينالوا من فيض علمه.
وفي عصره كان قد كثر رواة الأحاديث، إلَّا أنَّه قد تميَّز بالتحرِّي الشَّديد عند أخذه للحديث واعتماده لديه، فكان لا يأخذ إلَّا من ثقات الرِّجال، وللثِّقات عنده صفاتٌ وحدود.
وما ورد عنه في هذا الصَّدد أنه قال: "إن هذا العلم دين، فانظروا عمّن تأذوا دينكم"، وقد قال الإمام البخاري صاحب صحيح البخاري والإمام أبي داود عن الإمام مالك بأنَّ أسانيد الإمام مالك من أصحِّ الأسانيد.
كان الإمام مالك كثير العبادة والصلاة مُقيمًا لليل وخاشعًا في العبادة، كما كان شديد الهيبة والوقار، ويرجع الفضل له في تعليم الكثير من الشيوخ وعلماء الدين فقد تتلمذ على يده الكثير من علماء الدين ومنهم الشافعي والزهري.
كما له الكثير من المؤلفات الفقهية والأحكام الشرعية والتي اعتمد في تأليفها على السنة النبوية الشريفة والقرآن الكريم والسلف الصالح، وكذلك الاجتهاد كان أحد وسائل استخراجه للأحكام الفقهية.