في ذاكرة الأردن المضيئة وأرشيف التاريخ العربي، يبرز اسم الشيخ حمد باشا بن عرار بن نصار بن جازي الحويطات (أبو نايل)، شيخ مشايخ قبيلة الحويطات، وأحد أعمدة الثورة العربية الكبرى، وأيقونة من رجالات الأردن الذين خلدوا أسماؤهم بالبطولة والتضحية.
ولد الشيخ حمد بن جازي عام 1886، وعُرف منذ شبابه بصلابته وإيمانه الراسخ بالقضايا الوطنية والقومية، فكان من الرعيل الأول الذين حملوا مشاعل الوعي، وأسهموا في بناء الكيان الأردني والدفاع عن ثوابته.
وفي مثل هذا اليوم 8 كانون الأول، يستحضر الأردنيون ذكرى رحيل هذا القائد الوطني الكبير الذي وافته المنية عام 1962، لكن سيرته بقيت خالدة في وجدان الوطن والأمة.
رجل الثورة والنضال
كان الشيخ حمد بن جازي من أوائل الداعمين للحركات الوطنية العربية، فشارك في ثورة الشوبك 1905م، وثورة آل علي 1908م، وثورة الكرك 1910م، ثم انضم إلى صفوف الثورة العربية الكبرى، حيث سطر أروع البطولات إلى جانب الأمير فيصل، حتى دخلا دمشق مع قوات الثورة.
لم يتوقف عطاؤه عند حدود الثورة، بل واصل مسيرته مدافعاً عن قضايا الأمة، فناصر المجاهدين في فلسطين وقدّم ابنه البكر نايل شهيداً على ثرى القدس، كما فتح بيته وموارده لثوار فلسطين وسوريا، مسانداً قضيتهم بالمال والسلاح والدعم.
قائد عشائري ورمز سياسي
كرّس الشيخ حمد العشائرية لخدمة الوطن والأمة، فكان ملاذاً لكل محتاج، ومصلحاً في المجتمع، وصاحب كلمة مسموعة. امتد حضوره السياسي لأكثر من ثلاثة عقود، إذ شغل عضوية المجلس النيابي الأردني عشر دورات متتالية بالتزكية، من عام 1929 وحتى وفاته عام 1962، لتكون تجربته البرلمانية الأطول في تاريخ الأردن وربما المنطقة.
نال الشيخ الجازي لقب الباشوية من الدولة العثمانية تقديراً لدوره في حماية طرق الحج، كما برز كأشهر قضاة العشائر الأردنية والعربية بصفته قاضي قلطة، وهو المرجع الأعلى في القضاء العشائري وصاحب صلاحية تعديل العادات والتشريع فيها. وقد عُرف بمواقفه الإنسانية العظيمة ومنها إنقاذ المرأة الأردنية من بعض العادات الجائرة التي كبّلتها لعقود.
إرث خالد
ظل الشيخ حمد بن جازي رمزاً للبطولة والفداء، وصوتاً صادقاً لقضايا الأمة، لم يرهبه الاستعمار الإنجليزي ولا الفرنسي، ووقف بكل قوة ضد وعد بلفور والأطماع الصهيونية. واليوم، وبعد أكثر من ستة عقود على رحيله، يبقى تاريخه صفحة مضيئة في سفر الأردن، ومثالاً يُحتذى به في التضحية والوفاء.
وقد أعلن المؤرخ محمود سعد عبيدات عن قرب صدور كتاب يوثق سيرة حياة هذا القائد الكبير، ليبقى إرثه متجسداً للأجيال القادمة، شاهداً على دور رجالات الأردن في صياغة تاريخ الأمة.
رحم الله الشيخ حمد باشا بن جازي، وأسكنه فسيح جناته، وأبقى ذكراه حية في وجدان الأردنيين والعرب.