عبيدات
يكتب .. رمان كفرسوم.. قناديل التاريخ المعلقة على أغصان الحياة
نيروز - بقلم المهندس عاهد فلاح عبيدات رئيس تعاونية كفرسوم
الزراعية لمنتجي الرمان
رمان كفرسوم..
موروث تاريخي يروي الحكاية عبر القرون
ثمرة تتجاوز حدود الطعم
هناك في
أقصى الشمال الأردني، حيث الأرض تعانق السماء بخُضرتها، تتدلى ثمار الرمان في كفرسوم
كأنها قناديل مضيئة، تشهد على عشقٍ قديم بين الإنسان وأرضه، فالرمان الكفرسومي ليس مجرد ثمرة، بل هو حكاية تاريخية
وذاكرة شعبية تتوارثها الأجيال جيلاً بعد جيل، تحمل في طياتها عبق الماضي وعراقة الأرض
، هناك، لا يُزرع الرمان ليُؤكل فقط، بل ليُحفظ في ذاكرة الناس كجزء من تاريخٍ طويل
بدأ منذ القرن السادس عشر، وما زال يروي الحكاية حتى اليوم.
نكهة أسرت القلوب
يمتاز
رمان كفرسوم بطعمٍ لا يشبه سواه، حلاوة ممزوجة بلمسة حموضة، كأن الطبيعة جمعت في حبّاته
الصغيرة توازناً يصعب أن يتكرر،فالحبة الواحدة تحمل بين قشرتها الموشحة باللونين الأحمر
والأصفر، وأحياناً المائل إلى السواد، أسرار تربة كفرسوم الخصبة ومياهها العذبة وهوائها
النقي. هذه الخصائص الطبيعية جعلت من رمان كفرسوم علامة مميزة في عالم الفواكه، حتى
أصبح مقصداً للذوّاقة والباحثين عن الجودة، فإذا وضعت حبّة في فمك، شعرت أنك تتذوق من روح الأرض ذاتها، من صبرها وعطائها،
ومن تاريخها المجبول بعرق الأجداد.
لوحة من الألوان
لا يقتصر
التميز على النكهة، بل ينعكس في ألوانه الفاتنة: موشحٌ بين الحمرة المتقدة والصفرة
الندية، وأحياناً يميل إلى السواد كأن الشمس قد خطّت توقيعها الأخير على قشرته. من
يمرّ ببساتين كفرسوم في موسم القطاف، يظن نفسه أمام معرض فنّي حيّ، ترسمه الطبيعة بفرشاة
لا تجف.
عراقة تمتد عبر التاريخ
لا يقتصر
تميز رمان كفرسوم على نكهته أو منظره، بل يتجاوز ذلك إلى عمقٍ تاريخيٍ ضاربٍ في القدم.
إذ تشير الروايات الشعبية والوثائق التاريخية إلى أن زراعة الرمان في كفرسوم تعود إلى
القرن السادس عشر، حيث غرس الأجداد أولى أشجار الرمان في هذه الأرض الطيبة، ومنذ ذلك
الوقت أصبح الرمان جزءاً أصيلاً من هوية البلدة وثقافتها الزراعية. فهو ليس محصولاً
موسمياً وحسب، بل هو موروث شعبي ارتبط بالناس، بعاداتهم واحتفالاتهم ومواسمهم. في أيام
القطاف، تتحول البساتين إلى أعياد، حيث يجتمع الأهل والأحبة، يقطفون الثمار كما يقطفون
الفرح، وتظل الضحكات ممتزجة مع أهازيج الريف.
هوية تتجاوز
المكان
اليوم،
لم يعد رمان كفرسوم ثمرة محلية فحسب، بل أصبح رمزاً وجزءا من الهوية الزراعية الأردنية،
ووجهاً من وجوه الشمال الأصيل. إنه قصة أرضٍ تُعطي بلا حدود، وحكاية إنسانٍ صانها عبر
القرون ليقدّم للعالم ثمرةً تحمل لون التاريخ ونكهة الوطن.
✍ الخلاصة:
رمان كفرسوم
ليس مجرد فاكهة، بل هو تاريخ ممتد منذ القرن السادس عشر، ونكهة تحمل سرّ الأرض وطيبة
أهلها، ومنظر طبيعي يأسر القلوب قبل العيون ، وفي تاريخه صبر الإنسان وعزيمته انه موروث شعبي وتاريخي يفتخر به أبناء وبنات
كفرسوم، إنه هدية كفرسوم للأردن، وهدية الأردن للعالم.