بكل معاني الفخر والاعتزاز، نستذكر الشهيد البطل المقدم الركن الطيار ناجي عبدالمهدي الحباشنة، الذي جسّد أسمى معاني التضحية والوفاء، وكان مثالاً للخلق الرفيع والنبل، كريم النفس، ثابت المبدأ، صادق الانتماء لوطنه وقيادته الهاشمية.
الشهيد الحباشنة، الذي كان يعمل مدرب طيارين في كلية الحسين الجوية، ارتقى إلى مرتبة الشهادة في أثناء طلعة تدريبية رافقه فيها أحد مرشحي الطيران. وأثناء تنفيذ المهمة، تعرضت الطائرة لخلل فني طارئ جعل فرص الهبوط بسلام شبه معدومة. في تلك اللحظة الفاصلة، اختار الشهيد أن يكون رمزاً للإيثار، فأمر المتدرب بالقفز فوراً بالمظلة حفاظاً على حياته، ليبقى هو في قمرة القيادة محاولاً السيطرة على الموقف.
وحين أدرك أن الطائرة تتجه نحو مدينة المفرق، أدرك أيضاً حجم الخطر المحدق بأهلها، فقرر أن يوجّهها بعيداً عن المناطق المأهولة، مفضلاً أن يُضحي بنفسه ليحمي أرواح الآخرين. وعندما قفز من الطائرة، كانت على وشك ملامسة الأرض، ليسقط الشهيد الحباشنة معانقاً ثرى الوطن الطهور، في منطقة خالية من السكان، بعد أن جنّب المدينة كارثة محققة.
لقد ترك الشهيد ناجي الحباشنة إرثاً خالداً من العطاء والبطولة، وسجّل اسمه بحروف من نور في سجل شهداء سلاح الجو الملكي الأردني، الذين ضحّوا بأنفسهم فداءً للوطن وأمنه واستقراره.
ولا يزال الأردنيون، ورفاق السلاح، وأهله في راكين والكرك، يذكرون يوم وداعه المهيب، يوم خيمت الدموع على مقبرة راكين، حيث بكى الوطن أحد أبنائه البررة، وبكى النسور رفيقهم الذي علمهم أن حب الوطن لا يكون بالكلام بل بالفعل والتضحية.
رحم الله الشهيد ناجي عبدالمهدي الحباشنة، وتقبله في عليين مع الصديقين والشهداء، وأسكنه فسيح جناته.
المجد والخلود لشهدائنا الأبرار، الذين نذروا أرواحهم لتبقى سماء الأردن آمنة، ورايته خفّاقة بالعز والفخار.