في مكتب الأحوال المدنية الرئيسية في طبربور، حيث تزدحم المعاملات وتتعاقب وجوه المراجعين من الصباح حتى نهاية الدوام، يبرز اسم هيثم بشير الناصر مدير المكتب، بوصفه نموذجًا مختلفًا في فهم الإدارة وممارستها.
فالناصر لا يدير مكتبه من خلف الطاولة، ولا يكتفي بمتابعة الأوراق والتواقيع، بل يتواجد بين الناس، يصغي، يتابع، يوجّه، ويحلّ، كما لو أن كل مراجِع يحمل أولوية خاصة، وكل معاملة تحمل قيمة إنسانية قبل أن تكون ورقية.
لا يقدم نفسه بصفته صاحب سلطة، بل صاحب خدمة. يتعامل بتواضع ملموس، لا يقبل أن يغادر أحد مكتبه ساخطًا أو محتاجًا إلى "واسطة”. في حضوره تتراجع فكرة الروتين، ويظهر المعنى الحقيقي للإدارة: أن تكون قريبًا من الناس، لا متعالياً عليهم.
من يشاهد طريقة تعامله مع كبار السن، أو حرصه على إنجاز معاملات ذوي الاحتياجات، أو تسهيل الإجراءات لمن يجهل تفاصيلها، يدرك أن ما يفعله ليس أداء وظيفة، بل ترجمة أخلاق.
ليس السؤال هنا: ماذا يفعل مدير مكتب؟ بل: كيف يفعل ذلك؟ وكيف استطاع أن يُثبت أن المنصب لا يحدد قيمة الإنسان، بل الإنسان هو من يمنح المنصب احترامه؟
وجود نموذج مثل هيثم بشير الناصر يذكّر بأن المؤسسات لا تبنى بالأنظمة فقط، بل بالأشخاص الذين يحولون تلك الأنظمة إلى خدمة، ويجعلون المراجع يشعر أنه في مكان وُجد من أجله لا ضده.
وفي زمن قلّ فيه من يعمل بصمت وبضمير، يظل هذا النوع من الإدارة رسالة أمل: أن النزاهة ليست استثناءً، وأن التواضع ليس ضعفًا، وأن احترام الناس لا يحتاج إلا إلى رجل يعرف كيف يكون مديرًا… قبل أن يكون صاحب صفة.