تُعدّ الإعلامية أسيل الخريشا واحدة من أبرز الأصوات التي صنعت حضورًا راسخًا في ذاكرة المشاهد الأردني والعربي، بفضل صوتها الهادئ، وإطلالتها الواثقة، ورصانتها في الأداء. فمنذ بداياتها الأولى، أثبتت قدرة لافتة على التعامل مع البرامج المتنوعة، من المنوعات إلى الحوار السياسي، لتصبح من الوجوه التلفزيونية التي شكّلت جزءًا من صورة الشاشة الأردنية لعقود.
وُلدت أسيل الخريشا في مدينة عمّان، وتلقت تعليمها في المدرسة الأهلية للبنات، قبل أن تلتحق بالجامعة الأردنية لدراسة العلوم السياسية والإدارة. وقد أسهم هذا التخصص في تعزيز فهمها لبيئة العمل الإعلامي، ورفدها بخلفية معرفية مكّنتها من تقديم محتوى متوازن وعميق خلال مسيرتها.
مع مولد الفضائية الأردنية، التحقت أسيل بالتلفزيون الأردني عام 1993 في قسم تحرير الأخبار، حيث اكتسبت مهارات الصياغة والمتابعة والتحليل. ولم يمض وقت طويل حتى ظهرت على الشاشة لأول مرة عبر برنامج «ما يطلبه المشاهدون»، لتبدأ معها رحلة طويلة من العمل التلفزيوني المتنوع.
انتقلت بعد ذلك إلى برنامج «مع المشاهد» الذي تناول قضايا الجاليات العربية المقيمة في الأردن، وخصوصًا الطلبة العرب. وقد شكّل هذا البرنامج مساحة تدريب ميدانية واسعة، مكّنتها من ملامسة قصص الناس والتواصل المباشر مع جمهور متعدد الخلفيات.
ثم كان انتقالها إلى البرنامج الحواري «على الهوا سوا» مع الإعلامي الأردني أيمن الزيود محطة مهمة في مسيرتها، إذ عزز البرنامج حضورها الإعلامي وقدرتها على إدارة الحوارات المباشرة.
تقول أسيل إن أهم نقلة حقيقية في حياتها المهنية كانت عبر انضمامها إلى برنامج «يسعد صباحك»، الذي قدمته لثلاث سنوات متتالية مع المخرجة الراحلة فيكتوريا عميش. وقد شكّل البرنامج علامة فارقة، ليس فقط لأنه من أبرز البرامج الصباحية في الأردن، بل لأن أسيل استطاعت من خلاله تكوين علاقة خاصة مع الجمهور، بفضل بساطتها في الأداء، ودفء حضورها، وقدرتها على تقديم محتوى قريب من الناس.
من المحطات البارزة في تاريخها الإعلامي مشاركتها في تقديم البرنامج الوثائقي «فارس العصر»، الذي تناول حياة المغفور له الملك الحسين بن طلال. فقد سافرت برفقة المخرجة فيكتوريا عميش إلى عدة دول عربية، وأجرت لقاءات مع شخصيات مهمة من بينها رؤساء وصحفيون وأدباء، ومن أبرزهم الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك.
كان هذا البرنامج من أهم الأعمال التي شاركت فيها أسيل، نظرًا لقيمته الوطنية، وعمق مادته، والجهد الكبير الذي تطلّبه من فريق العمل.
لم يقتصر حضور أسيل الخريشا على الشاشة الأردنية، بل امتد إلى الإعلام العربي من خلال مشاركتها السنوية في تغطية مهرجان دبي للتسوق. وتصف هذه التجربة بأنها من أجمل محطات مسيرتها، إذ أتاحت لها التعرف إلى شخصيات عربية وعالمية مهمة، وزيارة مواقع متعددة، والتعامل مع فرق إنتاج عربية ذات خبرات واسعة.
كما قدمت خلال هذه المرحلة برامج بارزة، من بينها:
«المرسى»: برنامج منوع كانت ترتدي فيه في كل حلقة الزي التقليدي لبلد مختلف، مانحًا كل حلقة طابعًا ثقافيًا خاصًا.
«مضافة دبي»: برنامج يتناول عادات الشعوب وأطباقها ومواسم أفراحها.
«عالمها» على قناة ART، إلى جانب مشاركاتها في التغطيات الموسيقية والثقافية مثل مهرجان جرش.
تميزت أسيل الخريشا على مدى السنوات بقدرتها على التنويع في برامجها، فإلى جانب البرامج الحوارية والثقافية، قدمت أعمالًا تركت بصمة واضحة، من أهمها:
برنامج «لقاء مع فنان »، الذي استضافت خلاله مجموعة من الفنانين والنجوم العرب.
«ليالي رمضان»، البرنامج الذي استضافت فيه نجوم الدراما الذين كانت تعرض أعمالهم خلال الشهر الفضيل.
برنامج «الفرصة» مع الإعلامي طوني خليفة، الذي استضاف كبار نجوم العالم العربي، وشارك فيه 31 مشتركًا من جنسيات عربية مختلفة كانوا يسعون للحصول على فرصة جديدة في مجالات الفن والأدب والإعلام.
تُعرف أسيل الخريشا بأسلوب تقديم يجمع بين المهنية والرقي، والقدرة على إدارة الحوار بحضور هادئ ومتزن. وهي تؤمن بأن نجاح الإعلامي لا يقاس بظهوره أمام الكاميرا فقط، بل بعمق معرفته واحترامه للجمهور وتقديمه لمحتوى هادف وراقي.
تبقى مسيرة أسيل الخريشا نموذجًا للإعلامية الأردنية التي جمعت بين الأصالة المحلية والحضور العربي الواسع، وقدمت عبر سنوات طويلة صورة مشرقة للإعلام الأردني على الشاشات. وبرصيد من البرامج والتجارب المهمة، تظل أسيل واحدة من الأسماء التي ساهمت في رسم ملامح مرحلة كاملة من الإعلام الأردني والعربي.