في زمنٍ تتبدّل فيه الوجوه سريعًا وتتشابك فيه الأصوات عبر منصّات لا تعرف الثبات، بقيت الدكتورة إخلاص يخلف علامة فارقة في الإعلام الأردني، واسمًا يشبه المدرسة في الانضباط والوعي والرسالة. فحضورها الهادئ، وثقتها العميقة أمام الكاميرا، وصوتها الذي لطالما رافق العائلة الأردنية صباحًا ومساءً، جعل منها واحدة من أكثر المذيعات رسوخًا في ذاكرة المتلقي.
من القانون إلى الميكروفون… رحلة بدأت بالشغف
لم يكن دخول إخلاص يخلف عالم الإعلام خيارًا عابرًا، بل عبورًا نابعًا من خلفية قانونية صلبة اكتسبتها خلال دراستها للحقوق، وهو ما منحها زاوية رؤية مختلفة لمسؤولية الكلمة وأثرها في تشكيل الرأي العام. ورغم بُعد تخصّصها عن العمل التلفزيوني، إلّا أنّ شغفها بالمهنة دفعها لاجتياز اختبار صعب أجرته مؤسسة الإذاعة والتلفزيون عام 1985، تقدّمت له أكثر من مئة متسابقة، لتكون واحدة من ثلاث فقط نجحن في الوصول إلى الشاشة.
شاشة التلفزيون الأردني… المنبر الذي صقلها
بدأت إخلاص رحلتها في قسم البرامج المنوّعة، لتتلمّذ على يد نخبة من أعلام الشاشة، ومن بينهم الإعلامي الراحل محمد أمين. ومع الوقت، فرضت أسلوبها الهادئ وخطابها الرصين، لتصبح وجهًا أساسيًا في البرامج الحوارية والاجتماعية والثقافية التي عُرفت بجودتها ومحتواها.
قدّمت خلال مسيرتها باقة من أبرز البرامج الأردنية، ومنها:
صباح الخير يا أردن… نافذة الصباح التي أحبتها الأسر الأردنية لأسلوبها الإنساني الدافئ.
نوافذ… برنامج فتح أبوابًا جديدة على قصص النجاح والمجتمع والفكر.
لقاء الأسبوع… حوارات سياسية وثقافية بصياغة دقيقة تبنّتها إخلاص بحرفية عالية.
الأسرة والمجتمع… رسالة اجتماعية ركّزت فيها على القيم ودور الأسرة.
كما كانت أحد أبرز الوجوه في التليثون الوطني لمركز الحسين للسرطان، وهو الدور الذي أهلها لنيل وسام الملكة نور الحسين عام 1992 تقديرًا لعطائها.
العلم سند المهنة… والدكتوراه تتويج للتجربة
لم تكتفِ إخلاص بالعمل التلفزيوني، بل واصلت مسيرتها الأكاديمية حتى نالت الدكتوراه في القانون العام عام 2017 بتقدير امتياز، عن رسالتها التي ناقشت العلاقة بين الرقابة الإدارية والإعلام، وهي دراسة أثارت اهتمام الأكاديميين وصنّاع القرار لعمقها ورؤيتها الإصلاحية.
جوائز لم تكن مجرّد تكريم… بل شهادة على التميّز
على مدار سنوات عطائها، حصلت إخلاص يخلف على مجموعة من الجوائز والأوسمة، من أبرزها:
وسام الملكة نور الحسين (1992).
خمس جوائز ذهبية من اتحاد إذاعات الدول العربية في تونس.
تكريم من جلالة الملكة رانيا العبدالله (2001) ضمن مبادرة "مبدعون في سماء الوطن”.
جائزة المرأة النموذج في الوطن العربي (2011) من جامعة الدول العربية.
رؤية إصلاحية… وموقف ثابت تجاه فوضى التواصل الاجتماعي
ترى إخلاص أن مشهد الإعلام تغيّر بشكل جذري، وأن انتشار المنصّات الرقمية خلق مساحة واسعة للخلط بين الإعلامي وصانع المحتوى. وعبّرت مرارًا عن أسفها لارتفاع شهرة من لا يملك الخبرة، مؤكدة أن "الإعلام رسالة ومسؤولية قبل أن يكون حضورًا وشهرة”.
حياة شخصية تلتقي بالفن
ارتبطت إخلاص يخلف بالمخرج والممثل الأردني محمد يوسف العبادي، في علاقة رآها كثيرون نموذجًا للتكامل بين عوالم الفن والإعلام.
إخلاص يخلف… اسم محفور في ذاكرة الزمن
بعد أكثر من ثلاثة عقود من التأثير، ما تزال إخلاص يخلف واحدة من أهم الأصوات التي صنعت الهوية الإعلامية الأردنية. لم تكن مجرّد مذيعة، بل حالة فريدة جمعت العلم بالأداء، والرقي بالمضمون، والصوت بالرسالة.
لقد أسست لإعلام يعلي قيمة الحوار، ويحترم عقل المشاهد، ويعيد تعريف معنى أن تكون المذيعة صاحبة رسالة وفكر.
وسيظل اسمها، مهما تبدّلت المنصات والوجوه، ركنًا ثابتًا في ذاكرة الإعلام الأردني ورمزًا للمرأة الأردنية القادرة على الجمع بين العلم والمهنية والالتزام.