الإعلامية الأردنية رنا سلطان واحدة من أبرز الوجوه التلفزيونية التي دخلت إلى قلوب الأردنيين منذ بدايات الألفية الجديدة، بفضل حضورها الهادئ، لغتها الرشيقة، وحرصها على تقديم إعلامٍ يقوم على الفكرة والمسؤولية لا على الضوضاء. فهي إعلامية لم تكتفِ بالظهور أمام الكاميرا، بل سعت إلى صناعة أثر، وتقديم صورة مشرّفة للمرأة الأردنية في الإعلام.
نشأت في بيئة تشجّع على التعليم والانفتاح والعمل الجاد التحقت بجامعة اليرموك، وتخصصت في الصحافة والاتصال – قسم الإذاعة والتلفزيون، إلى جانب تخصّص فرعي في اللغة الفرنسية. هذا التكوين الأكاديمي منحها أدوات احترافية مبكرة، وأسَّس لوعيها الإعلامي الذي ظهر في خطواتها الأولى على الشاشة.
التحقت رنا سلطان بالتلفزيون الأردني عام 2000، وخلال سنوات قليلة شكّلت حضورًا لافتًا في البرامج الصباحية والمنوّعة. كانت من الأسماء التي أعادت الروح للبرامج الجماهيرية، وقدّمت محتوى قريبًا من الناس، بعيدًا عن التكلف وبعيدًا عن الإيقاع التقليدي الرتيب.
ومن أبرز البرامج التي قدّمتها خلال مسيرتها:
"دعوة خاصة جدًا"
"كلّ العرب"
"الهوا هوايا"
"يوم جديد"
مشاركات في تقديم مهرجان جرش وعدد من الاحتفالات الوطنية والرسمية.
امتازت هذه البرامج بطابع عملي واجتماعي وإنساني، ما جعلها مساحة للتفاعل والتأثير، وإحدى محطات التقدّم المهني لرنا سلطان.
عام 2007 خاضت رنا سلطان تجربة فنية استثنائية من خلال مشاركتها في الفيلم الأردني الشهير "كابتن أبو رائد" إلى جانب الفنان نبيل صوالحة. هذا الفيلم الذي حقق نجاحًا عربيًا ودوليًا، منح رنا فرصة لإظهار جانب آخر من شخصيتها؛ قدرة تمثيلية رصينة، وصدقًا تعبيريًا لامس الجمهور.
ونالت عن هذا الدور جائزة أفضل ممثلة في مهرجان نيوبورت السينمائي في كاليفورنيا عام 2008، في واحدة من أهم الجوائز التي حصل عليها ممثل أردني خارج البلاد.
ابتعدت رنا سلطان عن الإعلام لفترة قاربت عشر سنوات، لكنها لم تكن غيبة كاملة، بل انسحابًا من الفضاء العام بهدف ترتيب الأولويات، والانشغال بالأسرة، ومراجعة ما تريد تقديمه مستقبلًا.
عادت لاحقًا إلى الشاشة عبر برنامج "ليالي رمضان" على التلفزيون الأردني، في خطوة أثارت اهتمامًا واسعًا لأنها جاءت بعد سنوات من الغياب شبه الكامل عن الإعلام. لم تكن هذه العودة مجرد ظهور عابر، بل كانت عودة واعية ومقصودة تحمل رسائل عديدة تؤكد رؤيتها العميقة لمفهوم الإعلام ودوره الحقيقي.
فقد أرادت رنا سلطان أن تقول – عبر حضورها الهادئ والواثق – إن الإعلام بالنسبة لها رسالة ومسؤولية قبل أن يكون وظيفة أو منبرًا للبحث عن الشهرة. وكانت عودتها إلى التلفزيون الأردني تحديدًا ذات دلالة خاصة، فهو المؤسسة التي انطلقت منها وبُني اسمها على شاشتها، وبالتالي جاء ظهورها بمثابة وفاءٍ للمكان الذي احتضن مسيرتها الأولى.
الأهم من ذلك أنها اشترطت ألا تتقاضى أي أجر مقابل تقديم البرنامج، في خطوة اعتبرها كثيرون لفتة راقية ونادرة في الوسط الإعلامي. فقد أرادت أن يكون حضورها دعمًا مباشرًا للمؤسسة الرسمية التي تمرّ، مثل غيرها من المؤسسات الإعلامية، بتحديات مالية وبرامجية، مؤكدة أن العودة ليست بحثًا عن مكاسب مادية، بل تأكيدًا لمسؤوليتها الأخلاقية تجاه الإعلام الوطني.
هي إعلامية تختار ظهورها بعناية، وتتعامل مع الشاشة بوصفها مساحة للتأثير الإيجابي، لا مجرد منصة للظهور. وعكست مشاركتها في "ليالي رمضان" رغبتها في إحياء الروح العائلية التي طالما اشتهرت بها البرامج الرمضانية، وتقديم محتوى خفيف، إنساني، وهادئ، يستعيد دفء التلفزيون الأردني وقربه من جمهوره.
وهكذا، جاءت عودتها كرسالة صامتة لكنها قوية:
أن الغياب لا يلغي الأثر، وأن العودة يمكن أن تكون جزءًا من الوفاء، وأن الإعلام الحقيقي لا يُقاس بكثرة الظهور، بل بصدق نوايا من يقف خلف الشاشة.
تعتمد رنا سلطان في عملها الإعلامي على ثلاث ركائز:
المهنية: الالتزام بالمحتوى الرصين بعيدًا عن الاستعراض.
الاحترام: احترام الضيف والمشاهد والفكرة.
القيمة: التأكيد أن الإعلام ليس للتسلية فقط، بل أداة لبناء الوعي.
وقد صرّحت في أكثر من مناسبة بأنها تختار ظهورها بعناية، وترفض الظهور المتكرر الذي يفقد المذيع هيبته، وأنها لا تطمح للضوء بقدر ما تطمح لتقديم تجربة نافعة ومحترمة.
تزوّجت رنا سلطان من السياسي والدبلوماسي الأردني الدكتور بشر الخصاونة، الذي شغل منصب رئيس الوزراء بين عامي 2020 و2024، وهو أحد أبرز الوجوه العامة في البلاد. وبرغم ما أتاحه هذا الارتباط من اهتمام إعلامي مضاعف، فإنها حافظت على صورتها المهنية المستقلة وخصوصيتها الأسرية، وابتعدت تمامًا عن استغلال موقعها الاجتماعي في أي اتجاه. ظلّت رنا متمسكة بخطها الإعلامي الرصين الذي اختارته لنفسها منذ خطواتها الأولى على الشاشة، محافظة على حضورها القائم على المهنية والالتزام.
وهي أم لثلاثة أبناء، لطالما تحدثت عنهم باعتبارهم "النجاح الأهم"، وأن الأمومة بالنسبة لها ليست دورًا ثانويًا بل جوهر الحياة.
ما يميز رنا سلطان أنها لم تُغرق المشهد الإعلامي بظهورها، لكنها تركت أثرًا لا يُمحى. وفي زمن تتسارع فيه الوجوه وتتبدل، بقيت محافظة على رصانتها وتميّزها.
إنها إعلامية تمثل صورة مشرقة للمرأة الأردنية:
واعية، أنيقة، مثقفة، وملتزمة بقيم المهنة.
وأحد الأصوات التي أثبتت أن الإعلام الحقيقي لا يحتاج إلى صراخ، بل يحتاج إلى صدق.
تقدّم رنا سلطان اليوم نموذجًا مهمًا في الإعلام العربي، نموذجًا يقوم على الاختيار لا التزاحم، وعلى الجودة لا الكم، وعلى الحضور الذي يصنع الاحترام لا الجدل.
إنها صفحة مضيئة من صفحات التلفزيون الأردني، واسمٌ سيظل حاضرًا رغم كل الفترات التي قد يغيب فيها، لأنها ببساطة… لم تكن إعلامية عابرة، بل تجربة كاملة تستحق التوقف عندها.