نيروز الاخبارية
بقلم: الدكتور خلف الحمّاد
يُعد الفساد أحد مظاهر الشر، وقد ذكر في القرآن الكريم في أكثر من خمسين موضعاً اشتركت في التحذير من الفساد والمفسدين، وإنكار سلوكيّاتهم وأفكارهم.
وللفساد تداعيات مدمرة ومتعددة على الوطن والمواطنين، أهمها: زعزعة الاستقرار الاقتصادي، وعرقلة النمو، وزيادة نسبتي الفقر والبطالة، وهجرة الأدمغة والطاقات التي ترفض المشاركة في عمليات الفساد، نتيجة محاربتها من الطبقات الفاسدة والمفسدين، ومن تداعياته أيضاً هروب المستثمرين المحليين للاستثمار في الخارج، وعزوف الاستثمار الأجنبي عن الاستثمار داخل البلاد.
ومما تنبغي الإشارة إليه أن الفساد في الأردن يتمتع ببيئة اجتماعية حاضنة من المواطنين، إذ إن المسؤول الذي يمارس الفساد لا يحارب من البيئة الاجتماعية المحيطة به، بل على العكس من ذلك نجد أن البيئة الاجتماعية تحارب من أجله خوفاً على سمعة العشيرة، وهذا تحدٍ للجهات الرسمية والقضائية، إضافة إلى أن هناك غياباً لثقافة اجتماعية حقيقية تساهم في مكافحة الفساد والتعاون مع الجهات المختصة.
ومكافحة الفساد بحاجة إلى جهود وطنية تتكاتف فيها كل المؤسسات التي تعنى بالرقابة، مع جهد توعوي وتثقيفي لتوعية المواطنين حول الفساد بالتعاون مع الجامعات، ومنظمات المجتمع المدني وغيرها، وقد أكد جلالة الملك حرصه على مكافحته من خلال تحرك جميع السلطات لمحاسبة الفاسدين تحت شعار "لا أحد فوق القانون"، كما أكد ذلك في الورقة النقاشية السادسة، وركز على أن سيادة القانون أساس الدولة المدنية، لذلك يجب الكشف عن الفساد حيثما كان وكيفما كان.
وقد بات المواطن الأردني، لا يثق في المجالس النيابية وفي دورها الرقابي أو محاسبة السلطة التنفيذية، بسبب ضعف أداء هذه المجالس التي برأت فاسدين وطوت ملفات فساد تحت القبة، وممارسة نواب أعمالاً تجارية ومصالح مشتركة مع الحكومة، وإحالة عطاءات على شركات إنشائية وهندسية تابعة لنواب، حسب استطلاعات محلية.
إذ يحتل الأردن المرتبة 59 بين (180) دولة في أحدث تقارير منظمة "الشفافية الدولية" حول الفساد. ويقدر بأن الفساد كلف الأردن(10) مليارات دينار في آخر عشر سنوات، أي ما يساوي 37% من إجمالي مديونية الدولة الأردنية التي تجاوزت (40 مليار دولار) ما يشكل أكثر من ( 95 %) من الناتج المحلي الإجمالي متجاوزة بذلك الحد الأقصى المسموح به عالمياً.
ولقد أخبرني صديق لي بأن رئيس حكومة سابق أبلغه أن عشرة أشخاص في الأردن يستطيعون تسديد مديونية الأردن كاملة، فهل يفعلوها إيماناً منهم بالوقوف مع الوطن في أزمته الاقتصادية؟ وهم الذين تمتعوا بخيراته وأمنه، وبنوا إمبراطوريتهم في ظله واستقراره، خاصة وهم يعرفون بأن الوطن مستهدف أكثر من أي وقت مضى لأسباب سياسية، بدلاً من النعيق كالغربان فبعضهم يدافع عن توزير أقاربه، والآخر يصفق لإقرار قانون الضريبة.
ومن سبل معالجة الفساد: تعزيز الإرادة السياسية في محاربته، وذلك بترجمتها إلى نصوص واضحة قابلة للتنفيذ والمتابعة والتقييم والمحاسبة، والعمل على رفع الوعي والتثقيف بأهمية مكافحة جميع أنواع الفساد وأشكاله وعلى كافة المستويات، من خلال ترسيخ ثقافة مكافحة الفساد بدلاً من ثقافة النهب التي باتت سائدة، وتجذير مفهوم الشفافية والنزاهة والمساءلة من خلال تضمين مساقات تُدرس في الجامعات، وتعزيز دور الإعلام في تحقيقات الصحافة الاستقصائية المتعلقة بقضايا الفساد، وتقوية العلاقة بين وسائل الإعلام وهيئة النزاهة ومكافحة الفساد، والعمل إعلامياً ودينياً على صناعة الضمير والوعي المجتمعي بخطورة الفساد على استمرارية الدولة، ومستقبل أجيالها ومحاصرة هذا السلوك ونبذه.
لذلك لا بد من استئصال الفساد السياسي والمالي والإداري وهي أولوية وطنية، ووضع المفسدين خلف القضبان، واسترداد الأموال العامة المنهوبة لخزينة الدولة، بما أننا نرفع شعار "الاعتماد على الذات"؛ وهذا من شأنه أن يسهم بإعادة الثقة بأجهزة الدولة ومؤسساتها، وتحسين الظروف الاقتصادية والمعيشية للمواطنين، كما لا بد من تحقيق العدالة والمساواة، وتكافؤ الفرص، والالتزام بمبدأ الكفاءة والجدارة كمعيار أساس ووحيد للتعيينات في المناصب الحكومية العليا.