لأول مرة يكون لهيئة النزاهة ومكافحة الفساد قول في مشروع تعديل قانون النزاهة، ولكي لا نبخس الناس أشيائهم فربما الفضل في ذلك يعود لرئيس الهيئة الذي استطاع إقناع رئيس الحكومة بضرورة هذه التعديلات، سيما وأن رؤساء ومجالس الهيئة السابقة -وقد كنت منهم ذات يوم- لم تستطع ان يكون لها دوراً فاعلاً في التعديلات؛ اللهمَّ سوى المجلس الذي كان يقوده الرجل الوطني النزيه طيب الذكر سميح بينو، وربما يكون السبب -وقتذاك- عدم تفهم الحكومات لدور مجلس الهيئة في اقتراح التعديلات الجادة.
مشروع القانون السابق الذي دفن حديثاً في أدراج اللجنة القانونية في مجلس النواب، لم يستطع أحد من المعنيين الدفاع عن ضرورة أن تكون التعديلات جذرية، وحازمة، ومنتجة، وتعزز استقلال الهيئة، وفعالية قراراتها، وبالرغم من أن التعديلات الحالية غير كافية إلا أنها خطوة جيدة للأمام وتعبر عن رغبة الحكومة في إعلاء شأن النزاهة الوطنية، وترسيخ مفهوم مكافحة الفساد، وتعزيز استقلال الهيئة، وتحصين مجلسها من الإحالة،والإقالة، والعزل، والإقصاء كما فعلت الحكومة السابقة في تصرفها المدان.
ثمّة إيجابيات في مشروع القانون تستوجب الذكر والإشادة، وبالمقابل ثمّة ملاحظات عليه يتوجب الإشارة إليها، وملاحظات أخرى لمسائل لم ترد في المشروع.
إيجابيات مشروع القانون:
1- عدم جواز الإقالة على التقاعد للرئيس، وأعضاء المجلس إلا بانتهاء المدة.
2- تنظيم أحكام الاستقالة للرئيس، وعضو المجلس بعد أن كان هناك فراغ تشريعي بخصوصها.
3- النص على جواز الحجز على أموال المشتبه به في قضايا الفساد ومنعه من السفر برقابة قضائية.
4- جواز الطلب من دائرة إشهار الذمة المالية بصورة عن ملف إقرار إشهار الذمة في حال وجود مؤشرات على نمو غير طبيعي لثروة المكلف بالإشهار.
5- شمول الموظف العمومي غير الأردني، وموظفي المؤسسات الدولية بالملاحقة في حال وجود شبهة فساد.
6- إعادة النص الملغى والمتمثل بعدم خضوع جرائم الفساد للتقادم ووقف الملاحقة.
7- توسيع دائرة استرداد الأموال المتحصلة من الفساد من حيث عدم خضوعها للتقادم، وجواز الاستمرار فيها حتى لو صدر حكم بالبراءة، أو عدم المسؤولية، أو وقف الملاحقة.
الملاحظات على مشروع القانون والملاحظات التي لم يشملها التعديل:
1- لم يكن مشروع القانون موفقاً بمنح رئيس الهيئة حقوق، وامتيازات رئيس محكمة التمييز وأعضاء المجلس حقوق وامتيازات نائب رئيس محكمة التمييز، وضرورة تركها لمجلس الوزراء لتقدير ذلك.
2- وقع مشروع القانون في تناقض حول مفهوم من يدير الهيئة فقد ورد في المادة (6) من القانون الأصلي بأنه "يتولى إدارة الهيئة، والإشراف على شؤونها مجلس يتكون من رئيس وأربعة أعضاء ممن يتصفون بالحيدة والنزاهة...."، في حين ورد في مشروع القانون المعدل في المادة (9) مكرر تحت بند صلاحيات الرئيس "الإشراف على أعمال الهيئة بما في ذلك شؤونها المالية، والإدارية، واقتراح التعليمات، والحقيقة الراسخة أن الهيئات تدار من قبل مجالسها وليس رؤساءها وبدون ذلك تفقد الهيئات مبرر وجودها".
3- الطلب من المؤسسات الرقابية الرسمية الأخرى أعمال التدقيق، والخبرة الفنية، وضرورة أن لا يكون النص بالوجوب على الهيئة وإنما بالوجوب على المؤسسات الأخرى، وضرورة استثناء القضاء، والبرلمان من تلك الجهات.
4- لم ينص المشروع على زيادة عدد أعضاء مجلس الهيئة من خمسة إلى سبعة كما كان في القانون السابق سيّما وأن تجربة إنقاص العدد لم تنجح من حيث التأثر، والتأثير، وضرورة متابعة مديريات، وقطاعات أضيفت بالقانون بعد دمج ديوان المظالم مع الهيئة.
5- ما زالت المطالبة باقية باعتبار جرائم غسل الأموال، والجرائم الانتخابية، وشراء الأصوات من جرائم الفساد.
وبالرغم من كل هذه الملاحظات فإنه لابد من الإشارة إلى أن هناك تطور ملحوظ في أداء عمل الهيئة، وجدّية في التعامل مع قضايا الفساد الصغير، ولكن التحدي الأكبر يكمن في ضرورة الولوج في التحقيق، وفحص المشاريع الكبرى في كافة القطاعات، والانتقال إلى مرحلة التحقيق الاحترافي، والبت في كل القضايا، والملفات القديمة المعلقة، وانتهاز فرصة وجود حكومة تعطي الهيئة مجالاً؛ لضرب الفساد في مقتل للقيام بكل الإجراءات الضرورية لذلك، فما أجمل الوطن عندما يكون خالياً من الفساد...!!!