«حي بن يقظان» إحدى كلاسيكيات الأدب العربي القديم، ورائعة من روائعه، جمع فيها ابن الطفيل بين الفلسفة والأدب والدين والتربية، فهي قصة ذات مضامين فلسفية عميقة، تناقش ما نسميه في مصطلحنا المعاصر برؤية العالم أو النموذج المعرفي، حيث تتضمن القصة عناصر الثقل المعرفي الأساسية والممثلة في (الإله/الإنسان/الطبيعة)، كما تتطرق إلى أبعاد العلاقة بين هذا العناصر، فهي تحكي قصة إنسان استقر به الحال وهو بعد طفل على أرضٍ لا إنسان فيها، فاتخذ من الحيوان مُرضِعًا له، والطبيعة مأوًى له، فافترش الأرض والتحف السماء، ولما كبر واتشد عوده ونضج فكره، انصرف إلى التأمل في الكون، وهو الأمر الذي قاده إلى حتمية وجود خالق لهذا الكون.
ومن الجدير بالذكر أن هذه القصة قد أعيد كتابتها في تراثنا العربي أربعة مرات على يد كل من ابن سينا، وشهاب الدين السهروردي، وابن الطفيل، وابن النفيس، هذا الأخير الذي أعاد كتابتها تحت مسمَّى آخر يوافق ومعتقده الفلسفي، فسماها «فاضل بن ناطق».
نبذة عن عن المؤلف
ابن طفيل: هو فيلسوف، ومفكر، وقاضٍ، وفلكي، وطبيب، وشاعر عربي أندلسي، اشتهر بكتابه «حي بن يقظان»، الذي حاول فيه التوفيق الفلسَفِي بين المعرفة العقلية والمعرفة الدينية، وقد تُرْجِمَ هذا الكتاب إلى العديد من اللغات حول العالم.
وُلِدَ «أبو بكر محمد بن عبد الملك بن محمد بن محمد بن طفيل القيسي الأندلسي» بين سنتي ٤٩٥ﻫ و٥٠٥ﻫ بمدينة «وادي آش»، وتسمى اليوم Guadix، وتبعد مسافة ٥٣ كيلومترًا من قرطبة. درس الفلسفة والطب علي يد أعظم فلاسفة الأندلس وأطبائها، وتولى منصب الوزارة، وكان طبيبًا خاصًّا للسلطان أبي يعقوب يوسف، كما كان معاصرًا لابن رشد وصديقًا له.
كان لابن الطفيل إسهاماتٌ كثيرةٌ في الفلك والطب والشعر؛ ففي علم الفلك، ذَكَرَ عنه تلميذهُ البطروجي أنه عثر على نظام فلكي وتفسير لحركة الأفلاك على نحو مخالف لما قالهُ بطليموس، استغنى فيه عن الدوائر الداخلة والدوائر الخارجة. أما في الطب والشعر فقد ذكر لسان الدين بن الخطيب أن لابن طفيل أرجوزة في الطب، حيث كانت له أرجوزة في الأمراض وعلاجها، كما كانت له قصائد في الغزَل الصوفي، وتُوُفِّيَ ابن طفيل في مراكش عن عام ٥٨١ﻫ، وحضر السلطان جنازته.