ترتبط الجريمة بالإنسان باعتبارها فعلاً يصدر عن الإنسان ، وهي لا تنمو أو تظهر في فراغ اجتماعي ، فالانحراف لا ينشأ فجأة ، وإنما هو نتيجة لتفاعل جوانب ذاتية خاصة بالفرد والظروف الموقفية التي يواجهها في الحياة ، فإطار السلوك الانحرافي ينظمه مُناخ اجتماعي واقتصادي محدد وخصائص اجتماعية وسمات نفسية معينة ، مما يُكسب الفرد القواعد التي تنظم عملية سيره في طريق الانحراف من خلال اتصاله مع الأفراد المنحرفين الأكثر خبرة ليجد لنفسه قبولاً بينهم ، فهناك بعض المتغيرات الاجتماعية التي يُتوقع أنّ لها علاقة وارتباط أساسي في دفع الفرد إلى ارتكاب الجريمة ، وهذه المتغيرات تتمثل في الظروف الاقتصادية وخصائص البيئة طبيعياً واجتماعياً إضافة إلى الوضع الأسري .
ولا شك أنّ الأوضاع الاقتصادية المتدنية ، والظروف الاجتماعية الغير ملائمة التي يواجهها الأفراد ، تشكل قوى ضاغطة في دفع الفرد إلى خرق القواعد القانونية وارتكاب أفعال جرمية ، إلاّ أنّ الأفراد لا يستجيبون لتأثيراتها السلبية بدرجات متساوية ، ولا يتفاعلون معها بأنماط سلوكية متشابهة ، فكل الآراء التي اتجهت إلى محاولة تفسير الجريمة وارجاعها لسبب واحد جميعها قد باءت بالفشل ،فالأفراد يرتبطون بنظام أخلاقي مكوّن من عناصر تحافظ على الامتثال وتقويه نتيجة الدور الفاعل والمؤثر بدءاً من التنشئة الأسرية ، أو من خلال تكامل دور الأسرة مع مؤسسات المجتمع الأخرى مما يخلق السلوك التوافقي المتفق والمنسجم مع التنظيم العام للمجال الاجتماعي .
وإنّ المجتمعات ونتيجة للتحوّلات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي مرت بها ، أصبحت تواجه صعوبات و وتحديات كثيرة ، وانعكس ذلك على الفرد فأصبح أكثر حدة و أشد بحثاً عن مصالحه ، وأقل التزاماً في علاقاته الاجتماعية سعياً لإشباع قيمة الفردية ، فتأثرت سلوكياته خلال التفاعلات البسيطة نتيجة لإحساسه بالتناقض ما بين الطموح والواقع ، فأصبح بعض الأفراد يخضعون لنمط ثقافي معين أساسه الرغبة في امتلاك الأشياء ، أو تبني قيم الكسب السريع للحصول على قيم الاستهلاك الترفيهي عبر المحاكاة أو التقليد ، وعندما تفتقر هذه الفئة من الأفراد إلى الوسائل الشرعية ، فإنها غالباً تتجه أكثر من غيرها إلى استخدام وسائل غير مشروعة لتحقيق أهدافها وتلبية طموحاتها ، فتوصف هذه الفئة على أنها أكثر انقياداً وتبعية ، وأقل تبصراً بالعواقب السيئة التي تجرها أفعالها الإجرامية عليها ، أو ربما كانت تقديراتهم بأنّ أفعالهم الجرمية قد تكون السبيل لإنقاذهم من أوضاع اقتصادية أو اجتماعية سيئة وأشد خطورة عليهم وعلى أسرهم من الفعل الإجرامي نفسه ، فهذه الفئة قد تُركت للظروف التي تعيشها ، فباتت هذه الظروف تشكل أداة تمارس على هذه الفئة ضغوطاتها و تأثيراتها السلبية لتكون النتيجة أنماطاً مختلفة من الجريمة .
إنّ أسباب الجرائم سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو نفسية ، ما هي إلاّ تصنيف إذا ما طُبِّق على أرض الواقع ، فهو يحتاج إلى مناقشة يُراعى فيها تداخل وتفاعل العوامل المختلفة وفقاً للنظرية التكاملية في تفسير السلوك الإجرامي ، فلا يمثل الدافع الاقتصادي للجريمة المال فقط ، ولا يمثل الدافع الاجتماعي للجريمة القتل فقط ، فقد يكون القتل نتيجة لأسباب اقتصادية ، كما يمكن أن تكون السرقة مدفوعة بأسباب اجتماعية .