تُقيّم الجريمة بكافة مراحلها واختلاف أسبابها وتعدد صورها ، بأنها سلوك مضاد للمجتمع ، وخروج على قواعد السلوك التي يضعها المجتمع لأفراده ، وتمثل انحرافاً عن معاييره ، وانتهاكاً لقيمه المشتركة الخاصة بالمجتمع ، مما يُلقي بظلاله السلبية ، ويُحدث نوعاً من الاضطراب في التنظيمات الاجتماعية المحددة لمختلف العلاقات الاجتماعية السائدة بين أفراد المجتمع ، وذلك بتهديد المصلحة المحمية قانوناً .
فالجريمة حتى تتوافر أركانها ، لا بد لها من فرد يُقدم على ارتكابها بتأثير عوامل شخصية واجتماعية تتفاعل في نفسه وتولّد لديه استعداداً يجعله أكثر عُرضة من غيره للإقدام على إتيان السلوك الجُرمي ، فالجريمة ليست فقط ركناً مادياً ، بل تتعدى ذلك فهي تفترض صدور الفعل غير المشروع عن إرادة جنائية تصدر عن فرد مُدرك لكُنه أفعاله حتى يكون مسؤولاً عن الجريمة ، وبذلك يمكن القول بأن الجريمة تمثل فعلاً مادياً يستهدف حقاً أو مصلحة يحميها القانون تمّ المساس بها سواء بالاعتداء على صحة أو سلامة الفرد ، أو تمّ الاعتداء بإلحاق الضرر بأموال الغير ، فهي ظاهرة اجتماعية تنشأ عن عوامل نفسية ، كما قد تنشأ عن ضعف عقلي أو اضطراب انفعالي ، إضافة إلى العوامل الاجتماعية التي تعمل على بناء شخصية المجرم وتكوين سلوكه الإجرامي ، فالجريمة ظاهرة اجتماعية معقدة متكاملة من الظروف والمواقف النفسية والاجتماعية والثقافية المختلفة ، وهي تنشأ نتيجة التفاعل الاجتماعي بين الفرد من جهة وبين عناصر بيئته الاجتماعية من جهة أخرى ، فالمجرم بقيامه بالسلوك الإجرامي يعبّر عن معاناة أو أزمة نفسية ، وعدم توافق بينه وبين معايير الجماعة التي ينتمي إليها ، الأمر الذي أدى به إلى سلوك طريق الجريمة .
إذاً فإنّ السلوك هو المحدد الأساسي لكل شخصية إنسانية ، فمن خلاله يمكن تصنيف الأفراد إلى شخصيات تمتثل للقواعد السلوكية والمعايير الاجتماعية والقواعد القانونية ، أو إلى شخصيات لم تتكيّف اجتماعياً مع النظم والضوابط السائدة في المجتمع ما أوجد سلوكاً إجرامياً فردياً مخالفاً للمعايير الناظمة للحياة الاجتماعية في المجتمع ، والسلوك الإجراميّ عبارة عن نشاط يصدر بإرادة الإنسان ، يسعى الفرد من خلاله إلى الوصول إلى غاية محددة مع توقعه للنتائج المترتبة والمحتملة لتصرفه ، فهذه الإرادة تكون مصدر توجيه له صوب إحداث تأثير يهدف إلى الاعتداء أو التهديد .