مع بداية إقتراب موعد إنهاء اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية أعمالها، بدأت بعض التسريبات أو التوقعات بالأوساط العامة بالحديث عن النتائج، كل ذلك كان مفيداً لمعرفة الرأي العام والمهتمين بهذه المخرجات "المتوقعة".
أكثر ما يلفت نظري وكرئيس للجنة الفرعية لصياغة قانون الأحزاب هي ردة الفعل إزاء المقاعد المخصصة للأحزاب في قانون الإنتخاب وهنا لا بد من توضيح ما يلي:
- في الدول الديمقراطية وخاصةً في أمريكا والدول الأوروبية فأن المقاعد الحزبية هي الأصل ومقاعد المستقلين هي الإستثناء، حيث أنه لا يجوز أن يرشح للإنتخابات إلا عن طريق القوائم الحزبية، والدول تلجأ لأساليب مختلفة إن أراد بعض المستقلين الترشح، مثل جمع تواقيع نسبة مئوية محددة بالقانون من ناخبي الدائرة الفرعية كداعمين للمرشح وذلك كي يقبل ترشحه في تلك الدائرة.
البعض سيقول هذا يحدث في الدول الديمقراطية ونحن لسنا لدينا أحزاب حقيقية بإستثناء حزب واحد؟ نعم هذه هي حقيقة وحقيقة أيضاً أنه لم يكن لدينا أحزاب فهذا ليس ذنب كل الأحزاب، نعلم جيداً أن الظروف لم تكن مهيئة إطلاقاً لنمو وبناء هذه الأحزاب حيث تمت عرقلة نمو هذه الأحزاب من السلطات المختلفة وصحيح أيضاً أن بعضها عمل ضد المصلحة العامة للأحزاب نفسها، علينا أن نتذكر ونحن في بداية المئوية الثانية كم كانت فاعلة الأحزاب الأردنية ولغاية بداية ستينات القرن الماضي؟ لقد كان العمل الحزبي وعلى الدوام هو الحامي للديمقراطية والمؤطر للآلية الصحيحة للتوازن بين السلطات وتحديد عمل كل منها.
- جلالة الملك برسالته لدولة رئيس اللجنة حدد لنا مالمطلوب من اللجنة الملكية، ثم عاد وكرر ذلك في إفتتاح أعمال اللجنة، كان واضحاً أن الإصلاح السياسي هو الأساس لأي إصلاح كان، فقد كان جل التركيز على قانوني الإنتخاب والأحزاب ورغبة جلالة الملك بالوصول إلى برلمان حزبي برامجي "والخروج بإطارٍ تشريعي يؤسس لحياةٍ حزبية فاعلةٍ قادرة على إقناع الناخبين بطروحاتها" هذا الإقتباس بنظري يوضح المدى ويرسم خارطة الطريق للخروج بقانون صديق للأحزاب وبنفس الوقت صديق للمرأة وتمكينها في الحياة السياسية الأردنية وصديق للشباب وتمكنيهم أيضاً في الحياة الحزبية. الأوراق النقاشية لجلالة الملك والتي نسترشد بها تحملنا أيضاً لبرلمان حزبي برامجي، كل ذلك من الواجب أن يمنحنا القوة باللجنة الملكية للخروج بقرارات شجاعة.
- جرت في الأردن منذ الإنتخابات النيابية للمجلس الحادي عشر 89 ولغاية اليوم تسع إنتخابات وبثمان قوانين مختلفة وإذا ما إستثنينا الإنتخابات الإولى فقد جوبهت كل المجالس اللاحقة بالرفض ومطالبة الحل وكان واضحاً للجميع التراجع المستمر في الدور الرقابي والتشريعي لجميع المجالس، لم يكن ممكناً أي فرز للمرشحين كما لو كان ممكناً مع القوائم الحزبية، هذا فتح الباب على مصراعيه للمال السياسي وبرجزة المجالس المتعاقبة، ونتج عن ذلك هدر العمل الجماعي لصالح العمل الفردي وكان هو المسيطر وما الكتل الهلامية والتي طالما تواجدت في هذه المجالس طوال هذه السنين إلا نتيجة لكل ذلك، من عمل نائباً يعلم أنه ومنذ عام 93 ولغاية اليوم لم تخلو أي كلمة لمعظم النواب في المناقشات من المطالبة بقانونيين جديدين للأحزاب والإنتخاب للخروج من الصورة المشوهة لمجالسنا النيابية، كل من كان متابعاً يعي ما أقوله.
الآن أمامنا فرصة حقيقية لا تعوض، تغيير كل ذلك والبدأ بنهج جديد يضع الأمور في نصابها ويجعلنا في مسار الدول الديمقراطية وعلى مقدرة لإختيار قوائمنا الحزبية على أساس البرامج التي تقدمها لا على أساس الشخوص وسيشكل هذا "ضمانةً لحق الأردنيين والأردنيات في ممارسة حياة برلمانية وحزبية ترقى بديمقراطتيهم وحياتهم وتسهم في تحقيق أمنياتهم مع دخول مملكتنا الحبيبة مئويتها الثانية" كما قال جلالة الملك. لمصلحة الأردن علينا إغتنام هذه الفرصة.