لنْ تذهبَ أصواتُ كثيرٍ من البشر هباءً كذبذباتٍ صوتية تملئ الفضاء وسرعان ما تختفي، فهناك من تصل إليهم تلك الأصواتُ وتحِّرك في داخلهم أوتار قلوبهم وتثير مشاعِرَهم وأحاسيسَهُم فيتحركَون لتلبيةَ ذلك النداء وتلك الأصوات.
وكم هي كثيرة أصوات الناس المتألمين والمظلومين التي تصرخ في عالم اليوم ولا تجد من يسمعها أو يتجاوب معها أو على الأقل من يُعيرها اهتماما. فما من مُطلِقِ لصوتٍ إلا وفي جعبته قضيةٌ يرغبُ بإيصالها بقوةِ الكلمة المولودة من داخله والقادرة أنْ تغيِّرَ مسرى الأمورِ فَتَجِدَ من يتجاوبَ معها وينصفَ صاحبها. فهناك أناس لا يملكون قوة السلاح ولا قوة المال ولا قوة الجاه والوجاه وأقصى ما يملكونَهُ هو صوتُ صراخهم الصادر عن قلوبٍ متألمةٍ مظلومةٍ مسلوبةِ الحريةِ والحقوقِ والكرامةِ، وتجدُ في نبراتِ صوتِها قوةً داخليةً قادرةً أنْ تفُّكَ قيودَ أسرها وفكِّ الأغلالِ واستعادةِ الحقوقِ ونيلِ حريتِها..
إنَّ أمثال تلك الصراخات كانت قد استوقفت شخصا كالسيد المسيح الذي جال يصنع خيراً ويشفي كل ضُعفٍ في الشعب، ومن أقوى تلك الصرخات كانت صرخات البُرصِ العشرِ في بلدة برقين من قضاء جنين في فلسطين، وقد كان لتلك الصرخات وَقْعَهَا في أذني السيد المسيح الذي التفت إلى هذه الطبقة المهمَّشة والمرذولة والمنبوذة والمحتقرة والمتروكة على حالها، فلم يشأ أن يمّر دون أنْ يفعل شيئاً معها. وبالفعل حقق لهم نعمة الشفاء من مرض البَرَص الذي ضَرَبَهُم وكسَرَ قلوبهم وجعلهم يعمَهُون على أطراف المجتمع ويواجهون مصيرهم المحتوم.
وهكذا اليوم، فهناك آذان بشرية وليست طينية تُصغي إلى أمثال تلك الصرخات الصادرة عن أنينٍ وعن وجعٍ وعن قهر الناس، وقادرة أنٍ تعالج جذرياً سبب وجعها وأساس مرضها وسبب قهرها، وتسهمُ حقاً في عودتها لحياتها الطبيعية. فَمِن نِعَمِ الله علينا أنه خلق أناساً لهم آذان يسمعون بها آنين البشر ويعملون على مساعدتهم ورفع الظلم عنهم وانصافهم.