من الرسائل الملكية غير المباشرة التي صاحبت عملية التغيير في قيادة جهاز المخابرات العامة، والتي تضمنتها رسالة جلالته إلى اللواء أحمد حسني،ضرورة الربط بين إيمان جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين، بأننا سنتجاوز كل التحديات والمصاعب وشرط ذلك تماسكنا وتكاتفنا وتعاضدنا ووعينا، وتكليف جلالته لنشامى المخابرات العامة بالاستمرار في رصد كل المحاولات البائسة والهادفة للمساس بالثوابت الوطنية الأردنية والتعامل معها بفاعلية، وكذلك التصدي لكل من تسول له نفسه محاولة العبث بمرتكزات الدستور، لأن هناك علاقة عضوية بين القدرة على مواجهة التحديات وبين التمسك بالثوابت الوطنية والمرتكزات الدستورية، فهما تشكلان الأساس المتين لاستقرار الدولة السياسي والاجتماعي.
إن هذا التكليف وإن خص به جلالة الملك جهاز المخابرات العامة لكنه في النهاية تكليف لكل أردني حيثما كان موقعه، فبناء الوعي وتحقيق التماسك والتعاضد ليس عملية أمنية فقط، فمهمة الأمن حماية التماسك والتعاضد وقبل ذلك المساهمة في بنائهما من خلال تربية منتسبيه على مفاهيمهما، ومن ثم ردع كل من تسول له نفسه الإساءة إليهما عبر هتاف أو مقال أو خطبة أو تغريدة.
إن بناء مفاهيم التماسك والتعاضد، وقبلهما مفاهيم الانتماء والولاء هي عملية تربوية طويلة ومستمرة، يقع العبء الأكبر فيها على مؤسسات تنشئة الإنسان وتربيته التي يجب أن تتكامل جهودها في هذه العملية، وفي الطليعة منها أجهزة الثقافة والإعلام، ومنابر دور العبادة، وسائر المؤسسات التي تساهم في بناء وعي المواطن واتجاهاته، وهنا علينا أن نعترف بأن هذه المؤسسات تعاني من خلل كبير في بلدنا، وأن جل أدوارها معطلة، بل وسلبية في كثيرمن الأحيان، كما هو الحال في الكثيرمن وسائل الإعلام، التي تحولت إلى أبواق لترويج السلبيات وتضخيمها ولو على حساب صورة الوطن وسمعته.
إن إصلاح الخلل الذي تعاني منه مؤسسات بناء القيم والمفاهيم يحتاج إلى ورشة عمل وطنية لإعادة بناء هذه المؤسسات وترشيد عملها، وتنظيمه في إطار واضح وناظم لدورها في خدمة بناء الوعي الوطني، وتحقيق تماسكنا وتعاضدنا، وهنا لابد من أن تستعيد دائرة المخابرات العامة في بلدنا دوراً من أدوارها التاريخية والمتمثل في مساهمتها في بناء منظومة القيم والمفاهيم ليس فقط من خلال تربية منتسبيها على هذه القيم والمفاهيم، بل والأهم من ذلك الإصرار على حمايتها من الاعتداء عليها بأية صورة من صور الاعتداء، هتافاً كان أو مقال أو خطبة، لأن هذه المنظومة هي الأساس المتين لمنظومة الأمن الشامل بمكوناته السياسية والثقافية والإعلامية، التي هي من مكونات القوة الناعمة للدولة والتي افتقدناها في السنوات الأخيرة، وقد آن أوان استعادتها، من خلال قيام المؤسسات المعنية ومنها المخابرات العامة بأدوارها في بناء مفهوم الأمن الشامل خاصة في بعده السياسي، ومن ثم ضبط الانفلات في الكثير من وسائل بناء الوعي التي صارت تُسخر لهدم الوعي، ومن ثم المساس بالثوابت الوطنية والمرتكزات الدستورية تحت مسميات كثيرة.