نحن بحق يا ساده نعيش زمن الغثاء .... كم هائل من البشر لا يعدل شيئا في الميزان.... كم هائل من المعلومات تأتينا على شكل سيول جارفة من كل حدب وصوب ..... ضجيج اعلامي جارف تختفي معه الأصوات العاقلة الراشدة .......تغيب عنه الكلمة الهادفة ......غثاء معرفي تغيب عنه الحكمة ..... إمعان في نشر ما هب ودب دون هدف واضح لما يكتب ......وراء كل هذا بشر تائهون في عالم المعرفة المتلاطم من غير حدود فاصلة بين الثقافات.
المفارقة العجيبة في عالم الغثاء هذا أن الكل يمارس دور الواعظ والناصح والناسك ......اسمع كلامك أصدق !!...اشوف فعلك اتعجب!! ... في ظل هذا الغثاء الذي يغطى وجه الحياة يصعب التمييز بين الطيب والخبيث !!.... وبين الصاحب وغير الصاحب!! .... الجميع يتمسك بأستار الفضيلة!! المتطرفون .... القتلة والمجرمون ..... الفجرة والعابثون .... يلبسون لباس العفة والطهر ..... ويدًعون نفس الهدف !! .... أنه زمن الغثاء!
في زمن الغثاء يصعب التمييز بين عرين الأسود وبين حظيرة الأغنام ......بين الجاهل والعالم.... بين الضعيف والغني.... فالفقير جائع يستجدي... والغني يشكو من الركود وانعدام الوسيلة ......بين الناصح والمخادع .......بين المنافق وبين النبيل الشهم .... فنفس الأدوار تمارس ..... بين الممثل البارع وبين الوطني الغيور .... فكلاهما يؤديان نفس الدور في ظل غياب الغربال والفلتر في زمن الغثاء ......فالذي صنع سجاد الصلاة لا يؤمن بالصلاة " صنع في الصين " والذي صنع السبحة (عداد التسبيح) لا يفقه معنى التسبيح!
في عالم الغثاء تعبت الأرواح الطاهرة، والنفوس الزاكية، والقلوب الصافية، والعقول الراقية، فما حولها غثاء كغثاء السيل، غثاء من المعلومات وقليل من الحكمة، وغثاء من المناظر وقليل من العبرة، وغثاء من السياسيين والإعلاميين وقليل من الأوفياء والشرفاء .... لقد انقطع بريد السماء عن الأرض لفرز الغثاء عن النافع .... ولقد انقطع بريد السماء عن الأرض لفرز هذه المتناقضات والمتضادات في عالم يعج بكل ما هو أرضي بكل شهواته ومطامعه وهوى النفس، ليبتعد بنا عن كل ما هو سماوي وطاهر، لقد تلوثنا بعالم الغثاء إلى درجة التماهي معه !!... فما أعظم البساطة في المعرفة!! وما أعظم البساطة في نفوس البشر!! ..........والله المستعان.