يعد النفاق والكذب وعدم التقدير من أخطر فيروسات هذا القرن، فهذه العائلة من الفيروسات التي تشكل مثلث متوازي الأضلاع زواياه تنم عن انعدام الكرامة والخلق والانسانية.
كثير ممن نعجب بهم في هذه الحياة يكون ظاهرهم مثالي ورائع امام المجتمع مثل بعض رجال السياسة أو الدين الذين يتخذون من الدين سُلماً لتحقيق طموحاتهم ومآربهم الشخصية. إن عدوى النفاق الديني لم يسلم منها عموم المسلمين في هذا العصر، عصر المسخ في الوعي المجتمعي والانفصام في الشخصية الإسلامية والتشرذم في الأخلاق. فقد أمسينا نخشى أن نمتدح إنساناً لصفة ظاهرة فيه لأننا لا ندري مدى ترابط فعله مع حقيقته الداخلية، فقد يكون تصرفه الجميل معنا طعماً في غنيمة أو جسراً للوصول إلى غاية في نفس يعقوب أو عربونا لشراء أمتار ضمن مربع ثقتنا.
قديماً كنا نثق برجال الدين ثقة مطلقة، إلا أننا الآن لم نعد نثق إلا بما ندر منهم، قديماً كنا نثق بأبناء العشيرة اليوم لم نعد نثق بالأقارب أوالجيران الذين كاد الاسلام أن يوَرِثهم. الثقة بدأت تتلاشى شيئاً فشيئاً إلى أن وصلت إلى الإخوة والآباء والأبناء.
إنَّ الخيانة والكذب ما هما إلا تجسيد لصفة النفاق الذي أصبح ظاهرة اجتماعية متفشية كوباء الكورونا مما حدى بنا إلى أن نتساءل عن الدور الريادي لعلماء المسلمين في التصدي لمثل هذا الوباء العالمي وعن التدابير الاحترازية لمنع انتشار هذا الوباء.
نحن بحاجة إلى السعي الحثيث ليلاً ونهاراً لإيجاد لقاحات تقي من هذا الداء وتحذر العامة من المسلمين بقولهم لا مساس لكل من أصابه هذا الداء السامري. نحن مغرمون بالمثالية وبالتدين ومفتونين بالطبقة الغنية والمثقفة في المجتمع، لذا نسعى جاهدين لأن نظهر للآخرين بإحدى تلك الصور لنحظى بتقبل الآخرين واحترامهم لنا. لا نسمع اصوات للحق تدعو الانسان بأن يظهر على حقيقته امام الناس ولا نسمع عن إدخال قضية الصدق والشفافية كأسلوب حياة وسلوك تلقائي من قبل من المعنيين بالعلوم الدينية والانسانية والاجتماعية والسياسية والتنمية البشرية، ولا نقرأ احصائيات وابحاث تتعلق بهذا المرض القلبي الفكري السلوكي. والمفارقة تكمن في أنّ بعض من يسمون أنفسهم برجال الدين أصبحوا نموذج للنفاق وخيانة الأمانة السماوية.
هذا الداء أصاب أعضاء الجسد الواحد، وقد تكون بعض الحكومات نموذجاً للخيانة والكذب على شعوبها، كما أن فئة عريضة من المربين الأفاضل الآباء والأمهات مثال يحتذى به في تغيير الوجوه وتقليب المباديء تبعاً للمواقف والفرص في هذه الحياة، وفي كل موقف لهم نموذج عملي للأبناء على أن المباديء كألوان الثياب اليومية. هذه الأمراض السارية والمعدية في المجتمع يجب أن يتصدى لها الكتاب والمفكرين ورجال الدين وعلماء الإجتماع والتنمية البشرية والإعلام وأساتذة الجامعات والمعلمين والأهالي المربين للحد من انتشارها والقضاء عليها. فعندما نجد المسؤول في موقعه يكذب فهذه ظاهرة تستحق البحث والإحصاء والدراسة ووضع خطط وبرامج للحد منها ومنع انتشارها.
ورد في صحيح مسلم أنّ آية المنافق ثلاث وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان.
أما فيروسات عدم التقدير التي تعد من الأمراض السلوكية التي تجسد مفهوم الجحود وكفر النعمة، ففيها صلب للعدالة وإماتة لحقوق البشر. فلو كان هناك تقدير حقيقي لقيمة الصدق لإنتشر الصدق و ما ساد النفاق، ولو كان هناك تقدير حقيقي للطالب المتفوق لتم تعينه في الوظيفة ما سادت الواسطة، ولو كان هناك تقدير حقيقي لقيمة عمل الخير لاتشر الخير بين الناس وما ساد الفساد. ولو كان هناك تقدير حقيقي لقيمة الأخلاق لإنتشرت الفضيلة وما سادت الرذيلة، ولو كان هناك تقدير حقيقي للأقارب لانتشرت صلة الأرحام وما سادت القطيعة، ولو كان هناك تقدير حقيقي للعُلماء لانتشر العلم و ما ساد الجهل.
التقدير يبقى القيمة المطلقة في التعامل الإنساني لما فيه من إعانه على الخير والبر والعدل، ويبقى الصدق هو مظلة الاخلاق والشمائل كلها.