ربما نُحاول أنْ نتجنَّب الحديث عن الكراهية بناءً على مفاهيمنا المجتمعية القيمية وتعاليمنا الدينية السمحة، ونميل للحديث عن المحبة العديمة الرياء، بينما هناك أمر ما يحب أن نكرهه وهو فعل الشّر " كونوا كارهين الشر" (رو. 9:12) .
فأدياننا تدعونا للمحبة وحتى مباركة من يسيئون إلينا، وعدم رد الإساءة بمثلها، بل محاولة البحث عن طرق خلاقّة لإظهار الحق من غير ردِّ الصاع صاعين أو اتباع شريعة العين بالعين والسن بالسن وذلك بإدارة "الوجه الآخر" الذي لا يَعرفُعُهُ الآخر، لأنه لا يعرف إلا لغة القوة والإساءة والإستغلال. وإظهار الوجه الآخر هي محاولة حقيقية لكشف الخلل والخطأ وفعل الشّر واسترداد الحقوق، ولكنها لا تخلو من قيم ومبدأ المحبة.
فأعمالنا كلُّها باطلة إنْ خلت من المحبة، ولغة المحبة اليوم غائبة عن عالمنا ومغيّبة، لذلك تكثر النزاعات والخلافات والشقاق وكثير منها على أسباب تافهه لغياب عنصر المحبة. لذلك نحن مدعوون لأن نحب بعضنا بعضاً بالمحبة الأخوية الصادقة بلا رياء. وهذه المحبة قد تكون غائبة اليوم حتى بين أخوة الدم أنفسهم لأنّ الخلاف على المال والورثة قد يمزّق لغة المحبة والأخوة. وبالأكثر علينا أنْ نكونَ مقدمين بعضكم بعضاً في الكرامة. فعلينا أن نغلّف كامل تعاملاتنا البشرية بغلاق المحبة حتى بضاعتنا تكون أعمالاً صالحة ومقبولة لدى الله.
وعودة إلى الكراهية، فهي منبوذة لأنها كالنار التي تأكل نفسها إن لم تجد ما تأكله، وتدمر العلاقات الإنسانية وتهدم المجتمعات البشرية لأنها عدو النجاح الذي يقوم عليه أساس البناء الإنساني ويتطور. فالناجح في مجتمعاتنا العربية يُحارب والإنجازُ يضيع جراء الكراهية والحسد. ولذلك هناك أمرٌ واحدٌ علينا أنْ نكرهَهُ وهو الشَّر "كونوا كارهين الشر، ملتصقين بالخير" (رو 9:12). وهذا يعني أنْ ننبذَ كلَّ عملٍ باطنه شر وأذية حتى ولو تمظّهر بالحُسن والجَمال، فما نبطّنُهُ يجب أن ينسجم مع ما نظهرُه. فأعمالنا يجب أن تخلوا من كل فعل شرير، فالشر لا يُنبت إلا شراً والخير لا يعطي إلا ثمر الحب والسلام.