بقلم/ أحمد حساني المدير التنفيذي لمركز سعود زايد للدراسات البحثية والسياسية والاستراتيجية.
البعد التاريخي للعلاقة بين روسيا وأوكرانيا أمر لا يمكن تغييبه عن مشهد النزاع الحالي.. هذه هي القصة منذ بدايتها
ورغم أن العالم أجمع يتكلم عن حرب قادمة بين روسيا وأوكرانيا، وأنها قد تكون بداية حرب عالمية ثالثة.
لنعود إلى الماضي قليلا
تم إنشاء اتحاد يسمى بالاتحاد السوفييتي من قبل دولة روسيا عقب الثورة التي أطاحت بالنظام القيصري عام 1917، وضم هذا الاتحاد 15 جمهورية، ومنها روسيا وأوكرانيا، وخرج الاتحاد السوفيتي كقوة عظمى إلى جانب الولايات المتحدة.
وبعد تفكك وانهيار الاتحاد السوفييتي مرت العلاقة بين روسيا وأوكرانيا بفترات من التوتر والعداء الصريح، وفي عام 2014 انقلب شعب أوكرانيا وطرد الرئيس فيكتور يانوكوفيتش بعد أن رفض التوقيع على اتحاد سياسي مع الاتحاد الاوروبي، وأسقطوا النظام الاوكراني التابع للروس ..
في المقابل كانت حكومة أوكرانيا مابعد الثورة ترغب في أن تضم بلدها وتضمن مستقبلها داخل الاتحاد الاوروبي وحلف "الناتو" المعادي لروسيا وأنظمتها ، وهذا ماتخشاه روسيا، لانهم باعتقادهم أن عضوية أوكرانيا في الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو تؤدي إلى تقييد وصول روسيا إلى البحر الأسود، ومع تحالف كوريا الجنوبية واليابان وتايوان مع الولايات المتحدة، كانت الحكومة الروسية قلقة من أن روسيا ستُحاصر من قبل القوات المعادية.
والآن يمسك فلاديمير بوتين بدفّة القيادة في روسيا، كرئيس أو رئيس وزراء، منذ ما يزيد على 20 عاما. مع ذلك، يبدو أن العالم الغربي يجده صعباً على الفهم في الوقت الحالي، على غرار ما كانه الوضع حين كان لا يزال مجهولاً نسبياً لدى تعيينه في 1999 رئيساً للوزراء، ورئيساً مقبلاً للبلاد من قبل [الرئيس الروسي السابق] بوريس يلتسين العاجز.
مرة تلو أخرى، فوجئ الغرب، ووُضع في موقف صعب غير متوقع، أو شعر فقط بالذعر بشكل عام، بسبب أمر يُفترض أن يكون بوتين قاله أو فعله. وليس ما يُعرف حالياً بأزمة أوكرانيا التي بدأت قبل عيد الميلاد وربما تستمر أسابيع عدة، إلا المثل الأخير، وربما الأخطر على ذلك. وعلى الرغم من كل التحذيرات التي أطلقتها واشنطن ولندن بشأن غزو روسي "وشيك" لأوكرانيا، يعترف المسؤولون في العاصمتين بأنهم حقيقة لا يعرفون [إذا كان ذلك سيحصل]. وحتى حينما يقيّمون الوضع معتبرين أنه من "المرجح للغاية" أن يبدأ الغزو ذلك الأسبوع، فإنهم يوضحون أنهم لا يعلمون إذا كان بوتين اتخذ قراراً فعلاً، وما هو ذلك القرار. وبوتين وحده يعلم ذلك، وفق ما يقوله بعضهم على نحو يائس.
والآن، بات واضحاً أن ذلك الوضع غير آمن على الاطلاق، ومن المحتمل أن يكون خطيراً. إن روسيا بلد كبير يملك أسلحة نووية، على الرغم من أنها أصغر وأضعف في مجالات عدة، مما كان عليه الاتحاد السوفياتي في زمانه. ولا ينبغي للغرب بكل ما لديه من قدرات متطورة للرصد والمراقبة، وفرق المتخصصين في الشؤون الروسية المدربين تدريباً رفيعاً، أن يتخبط هكذا، ويؤجج احتمال نشوب حرب عالمية ثالثة، في خطوة تبدو، في أحسن الحالات، كأنها محاولة يائسة للردع.
ويؤدي كل ذلك الكلام عن الحرب إلى المجازفة في التسبب بتداعيات غير متعمدة. ويمكن لذلك أن يجعل روسيا أكثر اضطراباً مما هي عليه فعلاً، بل من شأن الإجراءات التي تتخذها الولايات المتحدة وعدد من الدول الغربية أن تفضي إلى دمار أوكرانيا، وهي الدولة ذاتها التي يقولون إنهم يحاولون حمايتها. فمن خلال سحب الدبلوماسيين ومراقبي وقف إطلاق النار التابعين لهم، وإعطاء تعليمات لمواطنيهم كي يغادروا، وإيقاف رحلات الطيران التجاري، وجعل عمليات التأمين باطلة، وبقية الإجراءات المماثلة، فإنهم يقوّضون الثقة بالاقتصاد الأوكراني ويهددون استقرار كييف السياسي. وسواء اتُّخذت تلك التحركات كإجراء احترازي حقيقي أو استُعملت لمجرّد دعم تحذيراتهم الخطابية، فإن العاقبة ربما تكون وخيمة.
إذاً، لماذا وجد الغرب أن من الصعوبة بمكان التعامل مع فلاديمير بوتين، وما المستطاع فعله حيال ذلك، وذلك إن أمكن فعل أي شيء على الإطلاق؟
علي امتداد أعوام ، خصوصا في الوقت الحالي ، كان ثمة إحجام غربي عنيد، من قبل كثيرين في الغرب، سواء كانوا حكومات أو متخصصين، عن الإصغاء فعلاً إلى ما يقوله بوتين ومسؤولوه. كم عدد التقارير التي سمعتموها أخيراً عن نشر روسيا حديثاً لقوات بالقرب من حدودها مع أوكرانيا؟ كم واحد من تلك التقارير أشار إلى نفي بوتين المتواصل أن غزواً ما جرى التخطيط له؟ نعم، بطبيعة الحال، من الحكمة الاستعداد للتطورات الأسوأ، في الوقت الذي يأمل المرء بالأفضل. لكن عدم الاهتمام بالنفي القاطع، أو حتى الإشارة إليه، من شأنه أن يرسم صورة لبوتين كأنه شخص شغوف بإثارة الحروب، وتصريحاته لا تستحق أن تضيع عليها أي جزء من وقتك.
حينما سافرت وزيرة الخارجية ليز تراس إلى موسكو، اشتكى نظيرها الروسي سيرغي لافروف من أن اجتماعهما جاء أشبه بحوار طرشان، وهي شكوى قديمة العهد، أيّاً كانت طريقة التعبير عنها، وغالباً ما تكون مبررة من قبل المسؤولين الروس عقب اجتماعاتهم مع مسؤولين غربيين، خصوصاً البريطانيين منهم. إنه أمر يتصل بمشكلة أخرى قديمة العهد ودائمة، أي الفشل حتى في محاولة رؤية الوضع من منظور روسي.
واستطراداً، يمكن للمسؤولين الغربيين أن يصرّوا بمقدار ما يريدونه من الصخب على أن "ناتو" تحالف دفاعي محض لا يريد إلحاق الأذى بأحد، بما في ذلك روسيا. في المقابل، ليس ذلك ما تراه روسيا، إذ ترى أنه [ناتو] تحالف عسكري قوي مسلح تسليحاً جيداً، وتقدّم خلال عشرين عاماً كي يصبح على مرمى حجر من الحدود الغربية لروسيا، وهي حدود، يجب أن نتذكر أنها أثبتت ضعفها في الماضي.
بالتالي، يمكنك أن تجادل، سواء كان هناك تعهد من جانب مسؤولين أميركيين، أو لا، بعدم توسع "ناتو" في نهاية "الحرب الباردة"، على الرغم من أن وثائق أفرجت عنها الأرشيفات الأميركية أخيراً، توحي بحدوث ذلك [التوسع]. في المقابل، تتمثّل النقطة الرئيسة في أن روسيا تعتقد بأن ذلك حدث، وتشعر أنها أقل أماناً نتيجة لما ترى أنه تحالف مُعادٍ بات يعسكر على أعتاب بابها.
وربما تجسّد الهدف من بعض عمليات نشر قوات روسية قرب أوكرانيا في محاولة إقناع الغرب بأن يجرّب الشعور ذاته الذي ينتاب روسيا، على أمل أن يوفر ذلك حجة أقوى لإبرام اتفاق رسمي على عدم الاعتداء، أو في الأقل، فضّ الاشتباك. كان ذلك هو الحمل الثقيل في وثائق قدّمتها روسيا إلى الولايات المتحدة وحلف "ناتو" في ديسمبر (كانون أول) 2021، على أمل البدء بمباحثات حول الأمن الأوروبي.
لا يقتصر ذلك الشعور على بوتين الذي ربما كان الأكثر صراحة في الإفصاح عنه في "مؤتمر ميونيخ للأمن" قبل 15 عاماً. وسيعمّر ذلك الإحساس مدة أطول بكثير من فترة رئاسته، وينبغي أن يشكل الاعتراف بوجوده بداية [تليها خطوات أخرى]. وعلى الرغم من ذلك، ترفض معظم الدول الغربية ببساطة الحجة المتعلقة بعدم شعور روسيا بالأمن رفضاً تاماً، بل تعتبر أنه يستعصي فهم السبب في شعور بلاد ضخمة وقوية ظاهرياً إلى ذلك الحد، بأن الخطر يحدق بها.
لو بذلنا جهداً أكبر لفهم دوافع بوتين ومن أين ينطلق، أي من روسيا، مع كل الخصوصيات التي تنبع من تاريخها وجغرافيتها، فلربما كنّا في الأقل قادرين على بدء محادثة عادية [معه]. لكن، والحال هكذا، فإن المملكة المتحدة على وجه الخصوص تبدو أسيرة قول تشرشل المأثور إن روسيا "لغز، يلفّه الغموض، داخل أحجية"، بل لا تحاول [بريطانيا] حتى أن تفهمها. كذلك لا يتابع كثيرون القراءة حتى نهاية ذلك الاقتباس الذي يورد فيه تشرشل أنه ربما وُجد مفتاح [لفهم روسيا] وأن "ذلك المفتاح هو المصلحة القومية الروسية".
وهنا، سأستبدل "الأمن القومي" بـ"المصلحة القومية". إذا كانت روسيا ستغزو أوكرانيا فعلاً، فلن يكون ذلك بسبب مشروع دفع بوتين غروره إلى تخيّله بهدف استعادة الاتحاد السوفياتي، كما لن يكون عملية تجري في سياق نوبة غضب هدفها تلقين أوكرانيا درساً. وعلى الرغم من الأفكار المسبقة المتعددة التي تؤشر إلى عكس ذلك، ليس لدى بوتين حنين إمبراطوري، إضافة إلى أنه ليس مقامراً. سيحصل ذلك [الغزو، إن حدث] لأن بوتين كرئيس لروسيا، يعتقد أن أمن بلاده مهدد، لا بل إنه مهدد من جانبنا، ويجب ألّا يكون هناك أي شك في ذلك.
وأخيرا بعد قرار بوتين الاعتراف رسميا باستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوهانسك الانفصاليتين عن أوكرانيا.
استطاع قيصر الكرملين " بوتين " مدي ضعف أوربا وقاداتها ، وتخبط إدارة بايدن وفقدان هيمنة أمريكا علي كثير من أجزاء العالم!!
ببرنامجه التصعيدي المتواصل يحاول بوتين نزع ما تبقى من أنياب الغرب.
بدليل عندما قامت بريطانيا بإرسال أسلحة إلي غرب أوكرانيا لم تسمح لها فرنسا وألمانيا بالمرور عبر أراضيها ، حتي لا يكونون ف مواجهة بوتين ؛ بل اتخذت طريقا أبعد وأطول..!
والدليل الآخر لم يتحدث أحد عن منع روسيا من غزو اوكرانيا. اكتفى الاميركيون والاوروبيون بالحديث عن "العواقب الوخيمة" لما بعد الغزو.
ولكن لفت نظري ومسامعي في خطاب بوتين أمس كلمة بوتين الآن تعني الحرب ، لكني لاحظت في تبريراته "للحرب" المنتظرة ذكره أمرين : تهميش أوكرانيا للغة الروسية ، وانتهاك حقوق المسيحيين الأرثوذكس ، اللغة والدين ،
لا أحد يتخلي عن هويته وحضارته إلا المهزومين تحت أقدام الأمن الغالبة ، أو أبدال الحضارات!
أرجو أن تكون هذه الرسالة قد وصلت إلى "المستنورين" العرب ، الذين طالما استخفوا بالاثنين ، وأهانوا الاثنين !