تُعَدّ الإعلامية والشاعرة نجاح محمد فلاح المساعيد واحدة من أكثر الشخصيات حضورًا وتأثيرًا في الإعلام العربي خلال العقدين الأخيرين. فهي لم تدخل إلى الساحة الإعلامية عبر التقليد والتماثل، بل جاءت إليها وهي تحمل فرادةً كاملة: الصوت البدوي الصادق، واللغة الشِّعرية التي تشبه الرمل والهواء، والحضور الذي يجمع بين قوة الشخصية ورقّة الإحساس.
منذ ظهورها الأول، كانت نجاح المساعيد حالة إعلامية وثقافية خاصة، جعلتها واحدة من أبرز الأصوات النسائية التي مزجت بين الشعر والإعلام في صورة لا تتكرر كثيرًا.
وُلِدت نجاح المساعيد في محافظة المفرق، ونشأت في بيئة بدوية محافظة، أحاطتها بالقيم الأصيلة، وبثّت في روحها حبّ الشعر واللغة والحكاية.
منذ طفولتها كانت قريبة من المجالس والقصص الشعرية، تستمع وتلتقط وتكتب أحيانًا، حتى أصبحت تمتلك قدرة ملفتة على صياغة مفرداتها الخاصة وصوتها المميز.
رافقتها البادية في خطواتها الأولى، وأعطتها هويتها وملامحها ولهجتها الحارة، التي تحوّلت لاحقًا إلى علامة فارقة في ظهورها الإعلامي. فنجاح لم تتصنّع يومًا، ولم تُخفِ هويتها، بل حملتها معها إلى المنابر والشاشات بكل اعتزاز.
حظيت نجاح المساعيد بفرصتها الواسعة للظهور والانتشار من خلال التلفزيون الأردني، حيث التحقت به في بدايات مسيرتها وقدّمت محتوى مميزًا ترك أثره لدى الجمهور. ومن أبرز ما قدّمته في تلك المرحلة فقرتها الخاصة في البرنامج الشهير "يسعد صباحك"، أحد أهم البرامج الصباحية في الأردن وأكثرها متابعة. وقدّمت نجاح في هذا البرنامج مادة إعلامية تجمع بين اللمسة الشعرية وروح البادية وخفة الظل، فكانت فقرتها مساحة مختلفة داخل البرنامج تُعرَف فيها بطابعها العفوي وحسّها اللغوي المميز. وأسهم ظهورها الأسبوعي في "يسعد صباحك” في تعزيز حضورها الإعلامي وترسيخ اسمها لدى المشاهدين، قبل أن تنتقل لاحقًا إلى برامج أكبر وأوسع انتشارًا داخل الأردن وخارجه، وتصبح إحدى أبرز الوجوه المرتبطة بالشعر النبطي والإعلام العربي المعاصر.
دخلت نجاح المساعيد مجال الإعلام من بوابة البرامج الشعرية، فوجدت نفسها أمام جمهور واسع، وسرعان ما أصبحت إحدى أكثر المذيعات تميزًا في تقديم الأمسيات والمهرجانات الشعرية.
وبفضل حضورها الكاريزمي، ولغتها العفوية المدروسة، وقدرتها على إدارة الحوارات الصعبة، انتقلت من البرامج المتخصصة إلى البرامج المتنوعة، ثم إلى تقديم فعاليات ومناسبات كبرى في الأردن والإمارات والخليج عمومًا.
كانت نجاح من أوائل الإعلاميات اللواتي جمعن بين الثقافة الشعبية والإعلام العصري، وقدّمت الشعر النبطي بصورة حديثة ومؤثرة، ما جعلها أيقونة لدى محبي هذا اللون من الأدب.
أثبتت نجاح المساعيد حضورها كشاعرة تمتلك صوتًا قويًا وإحساسًا شفافًا منحها مكانة خاصة في الساحة الشعرية. فقد كتبت قصائد تنوّعت موضوعاتها بين الحب بمعانيه العميقة والإنسانية، والحنين والاغتراب، والفخر والانتماء، إضافة إلى تناولها العلاقات الإنسانية وتحولاتها. وبأسلوب يجمع بين البساطة والعمق، استطاعت نجاح أن تصل بكلماتها إلى جمهور واسع من مختلف الفئات العمرية، لتُقرأ قصائدها في الأمسيات الشعرية، وتُردد في المجالس، وتتحول أحيانًا إلى أعمال غنائية بصوت فنانين ارتبطوا بإحساسها وصدق تجربتها.
لا يمكن الحديث عن نجاح المساعيد دون الوقوف عند تجربتها الخليجية، خصوصًا في دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث حظيت بفرص واسعة للتعبير والظهور، وقدّمت برامج أصبحت علامات في الخارطة الإعلامية الشعرية والثقافية.
كما شاركت في أبرز المهرجانات والاحتفالات الوطنية، وكانت ضيفة دائمة على منصات الشعراء، ومقدمة رئيسية لفعاليات كان يحضرها كبار الأدباء والمثقفين وصنّاع القرار، ما عزّز حضورها الإقليمي وجعلها واحدة من نجمات الإعلام العربي.
تتميّز نجاح المساعيد بأسلوبٍ إعلامي فريد يبتعد عن القوالب التقليدية؛ فهي تتحدث بقلبها قبل لسانها، وتمتلك قدرة لافتة على إدارة الحوار بخفّة ظل وذكاء، مع احترامٍ عميق لضيفها واحتواءٍ واعٍ للفكرة. تجمع بين الصراحة واللباقة في آنٍ واحد، وتحافظ على هوية لغوية رصينة ورسالة فكرية واضحة. كما يكتمل حضورها بصورةٍ أنثوية راقية خالية من المبالغة، تجعلها نموذجًا للإعلامية التي تجمع بين الأصالة والعمق والثقة بالنفس.
مع صعود منصات التواصل الاجتماعي، أصبحت نجاح أكثر قربًا من جمهورها، حيث تنشر مقاطع شعرية، رسائل وجدانية، لحظات من حياتها، ومواقف إنسانية تعكس روحها الهادئة والحسّاسة.
واحتفظت بشعبية عالية في الأردن والخليج، خاصة بسبب قدرتها على التعبير عن مشاعر الآخرين بلغة يفهمها الجميع ويتأثر بها الجميع.
واجهت نجاح المساعيد مراحل صعبة في حياتها، مثل أي شخصية عامة، لكنها بقيت محافظة على توازنها وخصوصيتها.
وعُرفت دائمًا بكونها شخصية قوية، مستقلة، قادرة على اتخاذ قرارات جريئة تخص حياتها ومسارها المهني، دون الالتفات إلى الضغوط أو التوقعات.
كما أنها تؤكد في معظم مقابلاتها أنها مهما ابتعدت أو تغيّرت الظروف، فإن الشعر سيبقى المكان الذي تعود إليه دائمًا.
منذ ظهورها، نجحت نجاح (كما يدل اسمها) في تقديم نموذج عربي نادر:
امرأة بدوية، مثقفة، شاعرة، إعلامية، واثقة، تجمع بين الأصالة والحداثة دون أن تفقد ملامحها الأولى.
قدّمت الشعر بوجه جديد، وقدّمت الإعلام بنبرة مختلفة، وصنعت لنفسها مكانة تتجاوز حدود الشاشات.
إنها نموذج للإعلامية التي لم تتنازل عن هويتها، ولم تكرر أحدًا، ولم تسمح لأحد أن يكررها.
تبقى نجاح المساعيد إحدى أهم الأصوات الشعرية والإعلامية التي أثْرت الساحة الثقافية، وواحدة من الشخصيات التي صنعت لنفسها أثرًا عميقًا يتجاوز حدود الشاشة والقصيدة.
إنها ابنة البادية التي اقتحمت الضوء دون أن تغادر جذورها، وصوتٌ من الأردن وصل إلى الخليج والعالم العربي محمّلًا بالمعاني والصدق والجمال.
وستبقى نجاح المساعيد عنوانًا لأصالة لا تبهت، وتجربة إعلامية وثقافية تستحق الاحتفاء والقراءة والاستمرار.