بقلم: أ.د. زيدان كفافي – أستاذ الآثار المتقاعد من جامعة اليرموك
للجامعة الأردنية مكان في القلب، فقد دخلتها طالباً عام 1967م مسجلاً في قسم التاريخ والآثار/الفوج السادس ، وأول من تخرج من برنامج ماجستير الآثار فيها ، إذ ناقشت رسالتي للماجستير، والتي أشرف عليها المرحوم الدكتور جيمس سيوار ، يوم 19/ 6/ 1977م. كما أنني عملت فيها أميناً لمتحف الآثار (1972م) وحتى يوم ذهابي لألمانيا (6/ 10/ 1977م) للحصول على درجة الدكتوراة من جامعة برلين الحرة.
وللقارورة حكاية أسردها أدناه:
قررت الجامعة الأردنية في مطلع سبعينيات القرن الفاءت بناء بناء لكلية الهندسة، والذي انجز (حسب ما أعتقد عام 1975م)، فوق منطقة مرتفعة في الجزء الجنوبي من الحرم الجامعي تسمى "خربة سيران". وأثناء التحضير للبناء تم اكتشاف بقايا أثرية فيها ، مما استدعى أن يطلب عميد كلية الآداب آنذاك المرحوم "الأستاذ الدكتور عبدالكريم الغرايبه " من المتخصصين في الآثار في قسم التاريخ والآثار (آنذاك) بزيارة الموقع وتقديم تقرير حوله. وحين زيارتهم للموقع، وحسب عادة الآثاريين قاموا بالتقاط وجمع الكسر الفخارية الموجودة على سطح الخربة لتحديد تاريخها حسب الأصول. وبعد أن انتهوا من دراستهم وتصنيفهم لهذه الكسر ظهر لهم أنها تعود لفترات العصور الحديدية، والهيللينستية، والرومية، والإسلامية، مما أكد على أهمية الموقع لاستمرار الاستقرار فيه لمدة طويلة. بناء عليه، قررت الجامعة أن يقوم طلبة الآثار في الجامعة عام 1972م بإجراء تنقيبات أثرية في الخربة، أي قبل البدء ببناء بناء كلية الهندسة فوقها ،وذلك بغرض تدريبهم على العمل الميداني في الآثار، وتم العمل بإشراف الأستاذ الأمريكي الزائر الدكتور هنري طومبسون (مدير المركز الأمريكي للأبحاث الشرقية في حينه).
عثر الطالب "سيف حداد" أثناء عملية التنقيب على قارورة برونزية طولها عشر سنتيمترات ، ولوحظ على سطحها الخارجي كتابة مكونة من 92 حرفاً منقوشة في ثمانية أسطر ، أثارت انتباه جميع المشتغلين بالآثار، وحيث أن فوهة القارورة كانت محكمة الإغلاق بمغلاق، بدأ العارفون يتكهنون حول ماذا يوجد بداخلها؟
بقي الأمر غامضاً حتى دعى مدير دائرة الآثار العامة في حينه "المرحوم يعقوب عويس" لاحتفال في فندق الأردن لحضور فتح غطاء فوهة القارورة المحكم حتى يشهد الجميع على ما في داخلها. وبعد أن اجتمع الحشد في الفندق تم فصل المغلاق عن فتحة الفوهة، وهنا كانت المفاجأة: بعض الناس انتظراً تبراً يتلأ لأ، لكن سقط من داخل القارورة "بذور حبوب (قمح وشعير)، وأعشاب، تكربنت مع مرور الزمان". تدل هذه الحبوب على اهتمام العمونيين اهتماماً كبيراً بالزراعة، كما أن الكتابة تذكر أسماء ثلاثة ملوك عمونيين، وهي برأي أهم من التبر. إذن أفادتنا القارورة بفائدة كبيرة حول الدولة العمونية، هي التعرف على أحوالهم الاقتصادية والسياسية بعد القرن السابع قبل الميلاد، أي كان هناك أسرة ملكية تتوارث الحكم عليها.
على أي حال، بعد تنظيف القارورة ووضوح الكتابة، قام كل من الدكتور هنري طومبسون والدكتور فوزي زيادين/ مساعد المدير العام لدائرة الآثار العامة الأردنية في حينه بقراءة أولية للنص(Thompson and Zaydine 1973) ، وتبين لهم أن القارورة تعود لحوالي 600 قبل الميلاد وأنها تحمل أسماء ثلاث ملوك عمونيين (عمينداب الأول، حصل إيل، عمينداب الثاني)، وهذا دليل على استمرارية وجود دولة الأمة(National State) في الأردن والتي ظهرت مع نهاية الألف الثانية وبداية الأولى قبل الميلاد. كما تم الحصول على تاريخ كربون اشعاعي غيّر من تاريخها من القرن السابع قبل الميلاد إلى حوالي 460 قبل الميلاد (Aziz 2003). تبع هذه الدراسة دراسات متعددة تبحث في موضوع النقش وأصل الكتابة المستخدمة في كتابته. ورأى طومبسون وزيادين في بادئ الأمر أن الكتابة آرامية، وخالفهم آخرون وأكدوا بأنها عمونية ، مثل فرانك كروس(Cross 1973). ي
بين الجدول أدناه تفريغ للكلمات المكتوبة بالخط العموني، حسب ما يذكر المتخصصون.