اقض يوما سعيدا، وضع البخور والزيت الفاخر معا من أجل أنفك، وضع أكاليل اللوتس والزهور على صدرك، بينما زوجتك الرقيقة في قلبك جالسة إلى جوارك. فلتكن الأغاني والرقص أمامك، واطرح الهموم خلفك. لا تتذكر سوى الفرح، إلى أن يحلّ يوم الرسو في الأرض التي تحب الصمت".
تضع هذه الوصية التي وردت ببردية فرعونية قديمة ترجمتها عالمة المصريات الفرنسية "كلير لالويت" فلسفة أقدم عيد شعبي في مصر وهو "شم النسيم" الذي يوافق اليوم الاثنين 6 مايو ويعد عطلة رسمية من كل عام.
واللافت أن كلمة "شم" المعاصرة مأخوذة عن اللغة الهيروغليفية التي كانت تطلق على فصل الصيف كما كانت تستخدم أحيانا بمعنى "الحصاد" وانتقلت لاحقًا إلى اللغة القبطية ولكن بأحرف يونانية قبل أن تستقر حاليًّا في القاموس الشعبي المصري.
ويتجسد شم النسيم في تجلياته المصرية الحالية عبر الخروج إلى المنتزهات والحدائق والحقول الزراعية للتمتع بالنسيم في احتفالات جماعية مزودة بأطعمة شهيرة تتكون أساسًا من البيض الملون و"الفسيخ" وهو عبارة عن أسماك مملحة فضلا عن البصل والخس، وقد يتم استبدال "الفسيخ" بأنواع أخف وطأة مثل "الرنجة" وهي السمك المدخن أو السردين المعلب.
متى ظهر العيد؟
واختلف المؤرخون في بدايات ظهور هذا العيد عند الفراعنة، فمنهم من قال إنه يعود إلى 4700 عام قبل الميلاد وقيل بل 4000 عام قبل الميلاد، بينما يؤكد فريق ثالث إن تبلور شم النسيم بطقوسه الحالية بدأ فقط في عام 2700 قبل الميلاد.
البيض والسمك والبصل
ويعد البيض ملمحا أساسيا في هذه الاحتفالات، نظرا للمعتقدات الدينية في مصر القديمة، والتي كانت ترى أن "الآلهة خلقت الأرض من صلصال في هيئة بيضة، ودبت فيها الروح، فبدأت فيها الحياة".
وفي أنشودة لأخناتون يخاطب الإله قائلا: "الفرخ في العش يزقزق في بيضته، لأنك أنت من الآن تمنحه من خلالها نسمات تعطيه الحياة، وتشكله بالكامل، ليتمكن من تحطيم قشرة البيضة، ويخرج يزقزق سائرا على رجليه".
وجاء اختيار الفراعنة للأسماك لأنها خارجة من نهر النيل المقدس عندهم حيث كانوا يعتقدون أن كافة أشكال الحياة خرجت من الماء عموما..
كما برعوا في تمليح الأسماك وصنع "الفسيخ " في أماكن تشبه الورش كما توضح مقبرة الوزير "رخ- مي- رع" في عهد الأسرة 18، وفق تقسيم التاريخ المصري القديم.
وجاء اختيار البصل نظرًا لقدراته العالية في الشفاء من الأمراض انطلاقًا من إحدى القصص التي تروى إصابة أحد الأمراء بمرض عضال لم يشف منه إلا بعد وضعوا بصلة تحت وسادته فاستشق رائحتها واستيقظ صابحا معافى في جسده.
أما الخس فهناك اعتقاد راسخ قديم أنه يساعد على الخصوبة عند النساء والفحولة عند الرجال ويرتبط بالإله "مين" إله الخصوبة والتناسل.