يُعد الإعلامي الأردني عثمان القريني واحدًا من أبرز الأصوات الإعلامية العربية التي صنعت حضورًا راسخًا في الساحة الرياضية، متنقلًا بين ملاعب كرة القدم وأستوديوهات التحليل والتعليق، ليترك بصمته المميزة عبر التلفزيون الأردني ومن ثم عبر شبكة قنوات الجزيرة الرياضية وbeIN Sports. لقد جمع بين تجربة اللاعب والمدرب، وخبرة الصحفي والمعلق، ما جعله مدرسة إعلامية متفرّدة في السرد الرياضي والقراءة التحليلية للأحداث.
وُلد عثمان القريني في العاصمة الأردنية عمّان في السادس من كانون الاول من عام 1956. منذ شبابه المبكر انخرط في المجال الرياضي لاعبًا في نادي الوحدات لكرة القدم، كما شارك في لعبة الكرة الطائرة، وانضم عام 1974 إلى المنتخب الأردني، ليجمع بذلك خبرة ميدانية مباشرة في عالم المنافسة.
لاحقًا، توجّه القريني إلى مجال التدريب، حيث أشرف على أندية مثل سحاب والوحدات وعين كارم، كما تولى تدريب منتخب الأردن للشباب عام 1983. هذه المرحلة رسخت لديه فهمًا عميقًا للرياضة من الداخل، وهو الفهم الذي انعكس لاحقًا في عمله الإعلامي.
مع بداية الثمانينيات، شق القريني طريقه إلى الإعلام الرياضي، فانضم إلى مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الأردنية. كانت انطلاقته مع برنامج "أخبار الشباب والرياضة" عام 1980، ليظهر للمرة الأولى كمذيع ومقدّم يملك أسلوبًا مختلفًا في تناول القضايا الرياضية.
قدّم لاحقًا مجموعة من البرامج التي حفرت مكانتها في ذاكرة الجمهور الأردني، مثل:
المجلة الرياضية
جووول
هذه نوادينا
كما تولى تقديم النشرات الرياضية ضمن النشرة الرئيسية للأنباء الساعة الثامنة مساءً، حيث امتاز بالقدرة على الإيجاز والوضوح، إلى جانب حضوره المؤثر الذي جمع بين المعرفة الرياضية واللغة الإعلامية الرشيقة.
لم يقتصر عمله على التقديم فقط، بل عمل أيضًا في التحرير والإعداد، فشغل منصب مدير تحرير جريدة "الرياضي" عام 1985، وهو ما عزز مكانته كأحد أبرز الإعلاميين الرياضيين الأردنيين.
لمع اسم القريني بشكل لافت في التعليق على الأحداث الكبرى. فقد كانت أولى محطاته المهمة في دورة الألعاب الأولمبية موسكو 1980، حيث برز صوته كمعلق على المنافسات. ومنذ ذلك الحين، شارك في تغطية دورات أولمبية متتالية مثل: لوس أنجلوس 1984، سيول 1988، برشلونة 1992، أتلانتا 1996، سيدني 2000، أثينا 2004، بكين 2008، لندن 2012، ريو 2016، وصولًا إلى باريس 2024.
كما ارتبط اسمه بنهائيات كأس العالم لكرة القدم، فكان حاضرًا في إسبانيا 1982، المكسيك 1986، الولايات المتحدة 1994، فرنسا 1998، كوريا واليابان 2002، جنوب إفريقيا 2010، والبرازيل 2014.
إلى جانب ذلك، شارك في تغطية الألعاب الآسيوية في محطات بارزة مثل هيروشيما 1994، الدوحة 2006، غوانجو 2010، إنشون 2014، وجاكرتا 2018. وقد عرفه الجمهور كمعلق يوازن بين السرد المعلوماتي والتحليل العميق، مع لمسة إنسانية تظهر في تشجيعه الدائم للمنتخبات العربية وخاصة المنتخب الأردني "النشامى".
عام 2003 كان نقطة تحوّل في مسيرة القريني، إذ انتقل إلى العمل مع قنوات الجزيرة الرياضية منذ تأسيسها. هناك وجد بيئة أوسع لعرض خبراته، سواء في التعليق أو في إعداد وإنتاج البرامج. وبعد تحول الشبكة إلى beIN SPORTS، واصل عمله كأحد أبرز المعلقين والمنتجين، مشاركًا في تغطية بطولات عالمية كبرى، مثل مونديالي 2010 و2014.
في هذه المرحلة اكتسب القريني شهرة واسعة على المستوى العربي، بفضل صوته المميز وأسلوبه الهادئ، وقراءته الدقيقة للمباريات والأحداث. كما ساعده مخزونه الرياضي السابق كلاعب ومدرب على التميز عن كثير من زملائه المعلقين.
في عام 2024، التقى ولي العهد الأردني الأمير الحسين بن عبدالله الثاني بالقريني، في خطوة تؤكد تقدير الدولة الأردنية لشخصيته الإعلامية ودوره في تشكيل وعي رياضي وطني.
اليوم، وبعد أكثر من أربعة عقود من العمل الإعلامي، يُنظر إلى عثمان القريني كرمز من رموز الإعلام الرياضي الأردني والعربي. فقد جمع بين المهنية والمعايشة الميدانية، وبين الحضور المحلي والانفتاح العالمي. وبصوته العذب وذاكرته الرياضية الواسعة، استطاع أن يحجز لنفسه مكانة بين كبار المعلقين الرياضيين العرب.
إن تجربة القريني تمثل نموذجًا في كيفية الجمع بين الشغف والاحتراف، بين الانتماء الوطني والانفتاح على العالمية، ليبقى صوته حاضرًا في الملاعب والشاشات، وذاكرته شاهدة على عقود من تاريخ الرياضة العربية والدولية.
عثمان القريني هو سيرة حافلة بالإنجازات، بدأها لاعبًا ومدربًا، ثم إعلاميًا ومعلقًا، ليستمر اليوم شاهدًا على أهم الأحداث الرياضية في العالم. هو مدرسة بحد ذاته، ورسالة إعلامية متوازنة، وصوت لا يُنسى في ذاكرة الجمهور الأردني والعربي.